نتحاور أم نتخانق؟ سؤال فرض نفسه بقوة هذه الايام بعد الصورة التي خرج بها الحوار الوطني والتفاصيل التي شهدتها مائدته والمراحل التي مر بها التجهيز له وبدايته وأيضا نهايته. وإذا كانت المرحلة الحالية تفرض علي الجميع التحاور وصولا الي اتفاق يحدد ملامح المستقبل الا ان الرياح تأتي معنا وحدنا بما لاتشتهي السفن إذ يتبدل الحوار الي معارك كلامية وتصبح المناقشة مناكدة بلا هدف. خبراء نفسيون يرون ان ذلك يرتبط بمواصفات الشخصية المصرية وظروف مجتمعية تفرض نفسها علينا فتفسد حواراتنا ومناقشاتنا وتتوه بين أيدينا معالم الوصول الي الهدف. في البداية يرجع الدكتور أحمدمجدي حجازي استاذ علم الاجتماع مايحدث من خلافات الي عدد من الأسباب بعضها يرجع الي السياق المجتمعي وطبيعة التنشئة الاجتماعية في المجتمع المصري التي تعلي من شأن الطاعة وضرورة الاستجابة لمن بيدهم مقاليد الامور سواء الاب او الاكبر سنا باعتباره يمتلك الخبرة والمعرفة الاكثر والبعض الاخر يرجع الي الظروف الراهنة التي تشير الي اننا في مرحلة ثورية والخلافات فيها شيء طبيعي حيث كل طرف يتصور انه يمتلك الرؤية الاصح من الاخرين الذين عليهم ان يستمعوا ويوافقوا ليتم الاخذ برأيه الي جانب ان كل مدعو للحوار افترض ان الدعوة تعطية الحق لكي يتحدث لا ان يستمع. يضيف: رغم ان الوفاق والحوار الوطني شيء مهم جدا في الوقت الحالي للخروج من المرحلة الراهنة الا ان افتقادنا القدرة علي التواصل مع بعضنا البعض والتحاور والمناقشة يمكن ان يتسبب في مزيد من المشكلات الي نتحاور من أجل الوصول لحل لها محذرا مما اسماه المناكدة الاجتماعية التي تعني ترك الخلافات في الافكار والرؤي والتركيز في انتقاد الذات التي نتحاور معها او اعتراض البعض علي انتقاد آرائهم لاعتقادهم أنها تمسهم بشكل شخصي الأمر الذي يعمق الخلافات ولايحلها. ويرفض حجازي مايحدث من المطالبة بإقصاء بعض الأطراف من الحوار الوطني موضحا ان ذلك يشير الي استمرار الاداء وفق النظام السابق الذي كان يستخدم نفس الأسلوب في إقصاء وحظر بعض التيارات والأطراف بما يعني البلطجة الفكرية والضبابية في الفكر فالثابت انه لايوجد خطأ وصواب مطلق فيما يتعلق بالآراء ولذلك كان التحاور والمناقشة للوصول الي الطريق الافضل. الخطأ وارد ورفض الدكتور محمد الرخاوي استاذ علم النفس بجامعة القاهرة اتهام الشخصية المصرية بأنها غير قادرة علي الحوار مؤكدا ان المشكلة تكمن في عدم توفير السياق المناسب الذي يتطلب وجود سلطة مسئولة عن الحوار تقبل بها الغالبية علي ان يكون هناك خطة واضحة بحيث لاتكون للكل حق الحديث في كل الأمور لأن ذلك غير صحيح ولايمكن معه الوصول لنقطة اتفاق واحدة مشددا علي ضرورة قبول مبدأ أن الخطأ وارد وأنه لايوجد بيننا من يمتلك الصواب المطلق. من جانبه ينتقد نجاد البرعي الناشط الحقوقي الحديث عن نجاح حوار لا يوجد مسئول عنه مشيرا الي ان كون الحوار وطنيا يعني ان تكون الجهة القائمة عليه وطنية مسئولة لها القدرة علي وضع نتائجه موضع التنفيذ وألا تكون مجرد دوائر مستديرة للنقاش الذي لا طائل من ورائه وخاصة بعد إعلان رئيس الوزراء ان الحكومة لاتتدخل فيه بما يعني ان نتائج هذا الحوار لن تلزم سوي من شاركوا فيه وهم من غير ذوي الصفة. ويقول: ببساطة نحن لاتوجد لدينا حكومة لها القدرة او الخبرة فجاء الحوار مجرد خناقة لعدم تحديد المسئولية بجانب عدم وجود اجندة واضحة وموضوعات محددة فلا يوجد مايسمي حوار وطني في المطلق وانما حوار وطني حول موضوع معين يتم النقاش حوله والخروج بنتائج محددة. فرز ثالث ويؤكد الدكتور شريف دلاور الخبير الاقتصادي ان المصداقية هي مفتاح نجاح اي حوار سواء وطني او غيره متسائلا اذا كانت القشرة الاولي من رجال النظام السابق هي الآن في السجون متهمين بكل ألوان الفساد فكيف نأتي برجال الفرزين الثاني والثالث من نفس النظام لكي يديروا حوار ايصيغون من خلاله سياسات المستقبل ؟ مشيرا الي انهم حتي وان لم يكونوا فاسدين فهم كانوا مسئولين في النظام السابق ورأوا الفساد بأعينهم وسكتوا عليه وبالتالي فهم فاقدو المصداقية للمشاركة في حوار حول المستقبل والمخاوف كبيرة من مجرد طريقة تفكيرهم. وينتقد ترك الأمور الحيوية والملحة من قضايا والانشغال في الحوارات والنقاشات وعقد اللجان وغيرها مشددا علي ضرورة التركيز في الوقت الحالي علي تحقيق الاستقرار الأمني في الشارع ومتابعة لجنة تأسيس دستور جديد لننطلق افضل نحو المستقبل مؤكدا ان مايستهدفه الحوار الوطني الحالي يمكن ان يتأتي وبشكل افضل من خلال الجمعيات والأحزاب الوطنية الجديدة التي تتشكل وتحتاج فقط لمزيد من الوقت لذلك فلنترك الأمور تتبلور وتأخذ مجراها. عواقب وخيمة وتحذر الدكتورة ماجدة قنديل رئيسة المركز المصري للدراسات المستقبلية من ان الاقتصاد المصري هو الضحية الاولي للخلافات الحالية التي من الممكن ان تؤدي الي عواقب وخيمة تجعلنا في حاجة لطلب المساعدة من قوي خارجية ووقتها ستملي شروطها ولن نستطيع الرفض مطالبة بضرورة التركيز علي القضايا والموضوعات محل الحوار ووفق الأولويات بعيدا عن البحث في هويات الأشخاص وانتماءاتهم السياسية طالما لم تشبهم شائبة جنائية قائلة عانينا من الإقصاء للكثيرين فترة طويلة ولابد ان نتخلص منه من اجل مصلحتنا فكلنا كان يمارس اخطاء في ظل النظام السابق الذي نجح في غرس ثقافته بداخلنا وكان من المفروض ان الأزمة الحالية توحد بيننا لا أن تتسبب في الخلاف والفرقة التي لاتبشر بأي خير بل ستؤكد مزاعم المسئولين السابقين بأننا لسنا أهلا للحوار والمناقشة والديمقراطية. وطالبت الدكتورة ماجدة قنديل بضرورة ان يتركز الحوار الحالي علي النواحي الاقتصادية لمنع تفاقم الامور علي ان تكون البداية بترشيد النفاق الحكومي والابتعاد عن سياسة التمويل لتغطية العجز المرتبط بزيادة الانفاق الاستهلاكي لخطورة ذلك وكونه يزيد التضخم ويجعل الزيادات في الاجور وهمية لنضب الموارد وسيشعر الناس بعدها بأنهم اكثر فقرا مشددة علي ضرورة التركيز علي الانفاق بهدف زيادة الوظائف عن طريق الشراكة مع القطاع الخاص تكون فيها الحكومة داعمة لخلق وظائف منتجة في القطاع الخاص الامر الذي يتطلب مجهودا اكبر لإعادة الثقة في الاقتصاد المصري.