بعد جولة استمرت علي مدار عام ونصف في المهرجانات العالمية المختلفة حصد فيلم نحبك هادي عددا من الجوائز بدأت في فبراير2016 بجائزة أفضل فيلم روائي طويل أول لمخرجه محمد بن عطية, والدب الفضي لأفضل ممثل لبطل الفيلم مجد مستورة من مهرجان برلين السينمائي الدولي, وتلتها جوائز أفضل فيلم في مهرجان اثينا وأفضل فيلم فرنكفوني في مهرجان الانوار للصحافة الدولية الفرنسية. وكان للجمهور المصري الحظ في مشاهدته في مهرجان الاقصر للسينما الافريقية في مارس الماضي الذي حاز فيه مجد مستورة جائزة أفضل اسهام فني, وعاد الفيلم للجمهور المصري مرة اخري بعرضه في افتتاح أيام القاهرة السينمائية منذ أيام قليلة في حضور المخرج محمد بن عطية لأول مرة وفي هذا الحوار يحدثنا عن فيلمه واختياراته: كيف تري ردود أفعال الجمهور المصري بعد مشاهدة الفيلم؟ ردود الأفعال رائعة خاصة بعد العرض الأول الذي تزامن مع افتتاح أيام القاهرة السينمائية حيث كانت الصالة ممتلئة عن اخرها, والتعليقات التي تلقيتها من الجمهور بعد عرض الفيلم بها الكثير من نقاط التشابه مع التعليقات التي سمعتها في العروض الاخري بالدول المختلفة, وبالاخص الاسئلة المتعلقة بنهاية الفيلم, وكنت متشوقا جدا لمعرفة رأي الجمهور المصري في الفيلم بعد الجمهور التونسي فهي المرة الثانية التي احضر فيها عرضه مع جمهور عربي وكان يهمني أن اعرف انطباعهم عنه واعتقد أنهم احبوه. ألم يعرض في دول عربية اخري؟ عرض في بعض المهرجانات في لبنان والمغرب وايضا في دبي ولكن في الاخيرة علي سبيل المثال لا استطيع أن الفيلم عرض للجمهور العادي لأن في النهاية الذين شاهدوه هم ضيوف المهرجان والمشاركين فيه من جنسيات مختلفة, بينما كانت نسبة وجود الجمهور المحلي صغيرة جدا. وهل الفيلم موجه في الاساس للجمهور العادي؟ نعم بالطبع, وهذه الفكرة تبدأ من مرحلة الكتابة نفسها, فعندما أبدأ في كتابة فكرة تكون موجه بشكل تلقائي للجمهور التونسي من خلال اللغة والتفاصيل التي اكتبها وتصرفات الشخصيات ونوعية الحكايات المقدمة فهي نتاج للواقع الذي اعيشه وحياتنا اليومية, وبقدر ما نكون صرحاء في الحديث عن انفسنا وامورنا الخاصة بدقة, بقدر ما يكون لدينا الأمل في الوصول الي العالمية بمعني أن تمس أفكارنا وحكايتنا الذاتية الانسان في اي مكان في العالم, اي أن الفيلم في البداية موجه للجمهور التونسي بحكم الذاتية ومن بعده الجمهور العربي أو حتي الاجنبي. وكيف تري استقبال الجمهور الغربي له بعد عرضه في برلين؟ قبل اكتمال الفيلم في المراحل النهائية كنت أنا والمنتجة درة بو شوشة نخشي من ردود أفعال الجمهور الغربي علي هذه الحكاية البسيطة التي ربما لا تكون مفهومة بالنسبة لهم لأنها عن شاب عمره25 عاما لا يزال يعيش تحت سيطرة والدته وبالتالي لا تعنيهم بدرجة كبيرة, ولكن علي العكس بعد عرض الفيلم في برلين فوجئنا بتعليقات من الجمهور تشير إلي أنه مس أشياء بداخلهم ولمحات من حياتهم الخاصة علي الرغم من الاختلاف الكبير في الثقافة وطريقة التربية والتصرفات, صحيح أن فكرة الضغط او سلطة الأم أو الأب تخصنا نحن العرب أكثر, لكنها في نفس الوقت ذكرتهم بتفاصيل صغيرة متعلقة بحياتهم وتؤثر فيها, ومن جانب اخر المشكلة الاساسية للفيلم تمس البشر عموما ايا كانت جنسياتهم وهي ازمة الاختيار الصعب التي يواجهها الانسان مابين حياة مستقرة بوظيفة مكتبية ثابتة وزواج مرتب واستقرا مادية أو أن يترك العنان لقلبه ويتبع احلامه واحساسه, فهي ازمة الانسان في اي مكان في العالم ولا ترتبط بثقافة او بلد محدد. لماذا رفض هادي السفر مع حبيبته في النهاية وهل فضل الاستقرار علي التمرد؟ الفيلم لم يعد ملكا لي بمجرد اكتماله وعرضه في الصالات, فقد اصبح ملكا للجمهور وكل شخص حر في الطريقة التي يراه بها ويفسر النهاية بالطريقة التي تحلو له, ولكن هادي من وجهة نظري لم يختر الاستقرار فهو لن يعود لحياته السابقة أولأمه وخطيبته, صحيح أنه تراجع عن قرار مغادرة تونس بمصاحبة ريم لكنه اختار أن يبقي في تونس ليعيد بناء حياته مرة اخري, لذلك نري في عينيه في اخر لقطة في الفيلم نظرة ولمحة جديدة تدل علي أنه تغير تماما واتخذ قراره بإعادة تشكيل حياته بالطريقة التي تناسبه, فهو عندما تعرف علي ريم بدأ يتعرف علي نفسه وعلي الاشياء التي يحبها ويسعده العمل فيها, والتي لا يدخل في اطارها سفره معها وأن يتبعها علي مدار ستة أشهر بدون هوية أو هدف سوي أن يكون معها وربما بذلك يكون قد خرج من تحت سيطرة وضغط أمه ليقع تحت سيطرة ريم, لهذا عدم سفره معها لا يعني أبدا أنه سيعود لحياته السابقة التي تخطط لها أمه وإنما أول خطوة في حياته الجديدة وكل شيء ممكن داخل بلاده فربما يعود للرسم والتصوير والأشياء التي يحبها, ومن جانب اخر قصص الحب الأولي نعطيها دائما مقاييس كبيرة لأنها هي التي من الممكن أن تدلنا علي الطريق وتسهل لنا ما يأتي بعد ذلك, ونتعرف من خلالها علي أنفسنا. ولكن البعض قد يفسر تراجعه عن قراره علي أنه نتيجة خوف من نتائج هذه الخطوة؟ لا توجد إجابة واحدة وهناك الكثير من التفسيرات ولكن أهم شيء بالنسبة لي هو واقعية الشخصية, لأني لا اري انه اذا تسرع وسافر مع ريم بالفعل ستكون خطوة حقيقية وواقعية, لأنه بالتأكيد يوجد جانب من الخوف ومن الصعب أن يتخذ شخص مثل هادي قرار السفر بهذا الشكل علي أرض الواقع لأن التغيير يحدث بالتدريج. لم تقدم فيلما عن الثورة التونسية لكن ظلالها واضحة في الفيلم فهل قصدت هذا؟ الفيلم ثوري من بدايته لنهايته, فمنذ أن خطرت لي فكرته اعتبرها بمثابة حالة توازي مابين حكاية هادي الذي يقوم بثورة ذاتية من جانب وثورة البلاد من جانب اخر, والمرة الوحيدة التي تلتقي فيها الحكاية الكبيرة بالحكاية الصغيرة هي عندما يحكي هادي عن الثورة ويقول أنه شارك فيها لمدة3 أيام مع زملائه وتخيلوا وقتها أن كل أحلامهم ستتحقق سريعا ونرسي ديموقراطية جديدة, بعد أن كان الاعتقاد السائد أن مستقبل البلاد مرتبط بعائلة بن علي وبهروبه تغير كل شيء وعلي الرغم من عدم تحقق كل هذه الامال الا أننا تعرفنا علي انفسنا, وبوقوعه في الحب يواجه نفس الموقف علي المستوي الشخصي لأن الحب يجعلنا نري العالم بشكل مختلف ويرتفع سقف احلامنا ايضا ولكن مع الوقت نكتشف اشياء اخري ربما تكون مخيبة للأمال وهذا هو الربط بين الحكايتين الذي اردت تقديمه. ولماذا اخترت هذه الفكرة بالتحديد للتعبير عن الثورة؟ ضغط الاسرة والسلطة الابوية موجودة من قبل الثورة وبعدها, والفيلم يحمل جزئين الأول يذكرنا بما كنا نعيشه قبل الثورة والسلطة البوليسية التي كانت تسيطر علي البلاد وتؤثر علي حياتنا والتي جعلتنا مثل هادي نقبل كل ما يحدث في صمت, وهو ما نراه مع هادي في النصف الأول من الفيلم إلي أن يتغير بالتدريج كما غيرتنا الثورة وتمردنا علي كل هذا, وصحيح أن الثورة لم تحل الأزمة ولم يحدث التغيير الشامل الذي كنا نتمناه ولكن من الايجابيات التي منحتنا اياها الثورة الي جانب حرية التعبير هو توليد حس الفضول لدينا لمعرفة كل شيء والتعمق في الافكار وفي كل شيء في حياتنا, بعد أن كانت مناقشاتنا تقتصر علي التفاهات مثل كرة القدم, ومن الاسباب الرئيسية التي جعلتني أفضل أن يبقي هادي في تونس هي أنه بعد6 سنوات من الثورة مازال الكثير من الشباب يحلمون بمغادرة البلاد والسفر للخارج حتي ولو كان لديهم حياة مستقرة وعمل ثابت, فهم مازالوا يشعرون بخيبة الأمل وأنهم لا يستطيعون تحقيق اي شيء في بلادهم, مع الاسف هذه الحالة لازالت موجودة علي الرغم من أننا حصلنا علي بعض المكاسب خاصة في مجال الفنون والثقافة تغيرت الامور بعض الشيء ولم تعد هناك رقابة والدولة تسير في اتجاه تشجيع الثقافة ورعايتها, وبالتالي يستطيع الشباب الان التعبير عن أنفسهم. أيعني هذا أنك لن تترك تونس حتي لو قدمت لك السينما فرصة العالمية؟ لا لن اترك تونس ابدا, لا احب مغادرتها لأنها أولا بلادي وفيها أهلي علي سبيل المثال قضيت في مصر3 أيام لأول مرة في حياتي وصحيح اني اعجبت بها واستمتعت باجواءها المختلفة, لكن هذه الأيام الثلاثة تكفيني واشتاق الان للعودة لبلادي, وهذا الاحساس اشعر به في كل مرة اغادر فيها تونس لحضور مهرجان ما في اي دولة في العالم, احب السفر للتعرف علي ثقافات وبلاد واناس مختلفين ولكن راحتي وقلبي في بلادي ولا استطيع الابتعاد عنها طويلا, بالاضافة الي أن افكاري واعمالي كلها نتاج الاشياء التي اشعر بها واعرفها جيدا وهي نابعة من حياتي, ولا استطيع أن احكي عن اشياء لا أعرفها, فاذا عشت في فرنسا او ايطاليا او غيرها من البلاد ما الذي يمكن أن أحكي عنه هناك. حدثنا عن بطل الفيلم مجد مستورة الحائز علي جائزة أفضل ممثل في برلين؟ يحب الشعر والكتابة لذلك ساعدني كثيرا في العمل علي الفيلم خاصة في الترجمة لأني في الاغلب اكتب بالفرنسية, فكانت له لمساته في لغة الحوار, والتقيت به بعد أن شاهد اعلان الفيلم وطلب ممثلين لكن عندما رأيته أول مرة رفضت وقلت أنه بعيد عن الشخصية لأنه مختلف عنها تماما فهو كثير الحركة وصوته مرتفع علي عكس شخصية هادي لكنه يحب العمل جدا واثبت قدرته علي اداء الشخصية بجدارة وابهر الجميع في هذا الدور. ما هو مشروعك المقبل؟ استعد لتقديم فيلم جديد مع المنتجة درة بوشوشة يبدأ تصويره في نهاية العام الجاري بعنوان ولدي وهو علي نفس شاكلة نحبك هادي حكاية بسيطة عن رجل مسن تتغير حياته, ولم يتم اختيار الابطال بعد.