اعلم ان هذا الشهر رجب الذي يهل علينا بعد أيام وشهر شعبان وشهر رمضان هي أشهر متناهية الشرف, والاحاديث في فضلها كثيرة, وورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام ( إن رجب شهر الله العظيم لايقاربه شهر من الشهور حرمة وفضلا.. وسمي الرجب الأصب لأن الرحمة علي أمتي تصب فيه صبا). ونسبته إلي الله تدل علي شرفه وفضله فإن الله تعالي لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته. كما نسب سيدنا محمدا وسيدنا إبراهيم وغيرهما من الانبياء عليهم صلوات الله وتسليمه إلي عبوديته, ونسب إليه بيته وناقته. وسمي أيضا رجب مضر لأن مضر كانت لا تغيره بل توقعه في وقته بخلاف باقي العرب الذين كانوا يغيرون ويبدلون في الشهور بحسب حالة الحرب عندهم وهو النسيء المذكور في قوله تعالي:( إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله) سورة التوبة:.37 وقيل إن سبب نسبته إلي مضر أنها كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنسب إليهم لذلك. وتحريم شهر رجب يقتضي عظم حرمته بين الشهور وتعظيم المعاصي فيه والسيئات في ظلم النفس وظلم الغير قال قتادة:( اعلموا أن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزرا من الظلم فيما سواها وإن كان الظلم علي كل حال عظيما ولكن الله يعظم من أمره ما يشاء). ولابد للمسلم من معرفة الشهر الحرام وحقه حتي يراقبه في حركاته وسكناته بل وخطرات قلبه وأن يعلم انها مواسم العبادة والاعمال الصالحة مثل الصوم, والاستغفار, والصلاة, والدعاء, والإنفاق في سبيل الله, والكثير والكثير. ويقتضي أيضا تفاضل الأعمال الصالحة وتعظيم الحسنات لأن العمل يفضل في الزمان الفاضل والمكان الفاضل كما ورد في النصوص الشرعية فالطهارة والصلاة والصوم والبر والإحسان والصدقة والذكر والدعاء وسائر التطوعات يعظم فضلها وثوابها في هذا الشهر العظيم لكن هذا الفضل ثابت له ولسائر الأشهر الحرم علي سبيل العموم بعموم الأدلة وليس خاصا برجب قال ابن كثير:( وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله( إن عدة الشهور عند الله) الآية فلا تظلموا فيهن أنفسكم في كلهن ثم اختص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حراما وعظم حرماتهن وجعل الذنب فيهن أعظم والعمل الصالح والأجر أعظم). ولم يرد دليل خاص يثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم في فضله خصوصا أو فضيلة عمل معين وما ورد في بعض الأعمال فضعيف عند أهل الحديث لا تقوم به حجة ولا يصح العمل به. وقد اختلفت أنظار العلماء في صوم شهر رجب, فمنهم من استحبه لأمرين: الأول: ما ورد من الترغيب العام في الصيام, وهذا بابه واسع, وأدلته كثيرة جدا. الثاني: ما ورد من الترغيب الخاص في صيام الأشهر الحرم. ورجب منها بالاتفاق, وكذا ما ورد في فضل صيام رجب بخصوصه. وإلي استحباب صيام الأشهر الحرم عموما ورجب علي وجه الخصوص ذهب الجمهور من العلماء, واستدلوا علي ذلك بعدة أحاديث. وعلي ذلك فإن صيام بعض رجب, فمتفق علي استحبابه عند أهل المذاهب الأربعة لما سبق, وليس بدعة. من علماء الأزهر