بدأنا نعيش فى رحاب شهر رجب الذى يسبق شهر شعبان، ومن بعدهما يأتى شهر رمضان المبارك، وشهر رجب يعد عند الذين لديهم همة فى الطاعة والتقرب إلى الله تعالى، هو المقدمة لشهر رمضان، حيث يستعدون فيه لاستقبال الشهر الكريم، وذلك بتطهير النفس من المعاصى والذنوب والتوبة النصوح، وأعظم من ذلك أن يرد الناس الحقوق التى عليهم إلى غيرهم، استعدادا للعبادة بكل أنواعها فى شهر رمضان المعظم. من جانبهم طالب علماء الدين، المسلمين فى جميع الأقطار بانتهاز شهر رجب الذى يعد من الأشهر الحرم التى يحرم فيها القتال، وجعله فرصة لبداية تحقيق الأمن والأمان والاستقرار والتنمية والازدهار، بدلا من حالات الفوضى وموجات التطرف والإرهاب التى تضرب ربوع الأمة. ويقول الدكتور احمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، إن الأشهر الحرم - التى منها شهر رجب - لها فضلها ومكانتها فى الإسلام، قال تعالى» إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ u ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ uفَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ u وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً u وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»، وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح»إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض, السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم, ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذى بين جمادى وشعبان»، مشيرا إلى أن حرمة القتال فى الأشهر الحرم تشمل عدم العدوان على النفس والأموال والأعراض والممتلكات سواء العامة او الخاصة، وقد جعل الله سبحانه وتعالى من الزمان أشهرا حرما, كما أمن المكان إذ جعل البيت مثابة للناس وأمنا, وأمن فيه الإنسان والطير وكل شىء, حتى يتعود الناس على نعمة الأمان, وما أجمل أن يستفيد الناس فى أوطاننا من هذه الحكمة العليا, وخصوصا فى هذا التوقيت العصيب الذى يموج بالفتن ما ظهر منها وما بطن. الأمان والاستقرار وطالب الأمة بأن تنتهز فرصة شهر رجب وتجعل منه بداية للأمن والأمان والاستقرار والاجتماع على كلمة سواء، بدلا من التشرذم والفرقة، مطالبا الشباب بعدم الانسياق وراء فكر مجموعة من المغرضين الذين يريدون هدم وتمزيق الوطن، وقتل وتخريب وتدمير وترويع للآمنين، التى وان كانت محرمة فى كل وقت، إلا أنها تصل إلى أعظم درجات الحرمة فى شهر رجب لأنه من الأشهر الحرم التى حرم الله فيها القتال، مشددا على ضرورة أن ينصرف الجميع فى هذا الشهر إلى معرفة الله تعالى والى كل ما ينفعه، وان يعمل جاهدا لفتح أبواب العمل، حتى تتقدم أمتنا وتعود لها ريادتها. فضائل الشهر وفى سياق متصل، يؤكد الدكتور عبدالرحمن عباس سلمان الأستاذ المساعد بكلية أصول الدين والدعوة جامعة الأزهر بأسيوط، أن الله سبحانه وتعالى فضل بعض الأيام والليالى والشهور على بعض، حسبما اقتضته حكمته البالغة؛ ليجدّ العباد فى وجوه البر، ويكثروا فيها من الأعمال الصالحة، ومن هذه الشهور شهر رجب، أحد الأشهر الأربعة الحرم التى خصها الله تعالى بالذكر ونهى عن الظلم فيها تشريفاً لها، لأنها معظمة فنهى الله تعالى عن القتال فيها، فكانوا فى الجاهلية يحرمون فيها القتال، حتى إن الرجل ليجد قاتل أبيه فى هذه الأشهر ولا يتعرض له، وجاءت الشريعة الإسلامية بتأييد هذا، فحرم الله القتال فى هذه الأشهر. وأشار إلى أن الشهر سمى «رَجَب» لِأَنَّهُ يترجب أَى يتكثر و يتعظم فِيهِ خير كثير لشعبان ورمضان، يُقَال رجبه مثل عظمه، فَالْمَعْنى أَن يهيأ فِيهِ خير عَظِيم كثير للمتعبدين فِى شعْبَان ورمضان، وذكر له العلماء ثمانية عشر اسما، من أشهرها «الأصم» لعدم سماع قعقعة السلاح فيه لأنه من الأشهر الحرم التى حرم فيها القتال، و«الأصب» لانصباب الرحمة فيه، و«منصل الأسنة» فلم ندع رمحا فيه حديدة، ولا سهما فيه حديدة إلا نزعناه فألقيناه، إلى آخر ما ورد من هذه التسميات . وأوضح أن فضل رجب داخل فى عموم فضل الأشهر الحرم، ومن عدم الظلم فيه عدم القتال، ومن عدم الظلم أيضا عدم معصية الله، فيندب فيه التقرب إلى الله تعالى بالطاعات، الوارد بها خطاب الشرع لا بغيره مما يظنه الناس أو يعتقدونه بغير سند ولا دليل شرعي، فالعمل الصالح فى شهر رجب كالأشهر الحرم له ثوابه العظيم، ومنه الصيام يستوى فى ذلك أول يوم مع آخره، وقد قال ابن حجر وغيره: إن شهر رجب لم يرد حديث خاص بفضل الصيام فيه، لا صحيح ولا حسن، كذلك لا تخصيص فيه بعمرة، ولا بزيارة لقبر النبى صلى الله عليه وسلم، ولا بذبح قربة لله تعالى، ولا بزكاة، ونحن ننبه إلى هذه الضوابط الشرعية، للمحافظة على سلامة العقيدة فإذا صح الاعتقاد صح العمل، وكونه لم يرد فى فضل صيام رجب بخصوصه شيء، لا يعنى أنه لا صيام تطوع فيه مما وردت النصوص عامة فيه وفى غيره، كصيام الاثنين، والخميس، وثلاثة أيام من كل شهر، وصيام يوم وإفطار آخر، وإنما الذى يكره - كما ذكر الإمام الطرطوشي- صومه على أحد ثلاثة أوجه:إذا خصه المسلمون فى كل عام حسب العوام ومن لا معرفة له بالشريعة، مع ظهور صيامه أنه فرض كرمضان، واعتقاد أن صومه سنّة ثابتة خصه الرسول بالصوم كالسنن الراتبة، واعتقاد أن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام سائر الشهور، وأنه جارٍ مجرى عاشوراء، وفضل آخر الليل على أوله فى الصلاة، فيكون من باب الفضائل لا من باب السنن والفرائض، ولو كان كذلك لبينه النبى -صلى الله عليه وسلم- أو فعله ولو مرة فى العمر، ولما لم يفعل، بطل كونه مخصوصاً بالفضيلة، وليعلم القارئ الكريم أن النهى هنا عن تخصيص عمل وطاعة بعينها فى هذا الشهر، لكن من فعل الطاعات والقربات لله تعالى من غير اعتقاد التخصيص كما يفعل فى باقى العام فلا بأس بذلك ونسأل الله تعالى له القبول، مشددا على ضرورة أن يعى المسلمون آداب هذا الشهر وحرمة القتال فيه، فلا يقع منهم ما يخالف ذلك، مما نراه الآن حادثا فى أمتنا الإسلامية والعربية من الاقتتال والحروب التى تدور رحاها فى بلدان عديدة.