مستعد أن أقسم غير حانث أن مصر بلد معمول له عمل. العمل يقضي أن تظل جسدا غائصا تحت الماء ما عدا رأسه الذي يطفو فوق الماء منه يتنفس ومنه يأكل. ما خلا ذلك ممنوع عليه . ممنوع أن يقضي عليهفيموت وممنوع أيضا أن يخفف عنه العذاب. مصلحة أصحاب العمل أن يبقي هكذا. يتغير بعض اللاعبين علي المسرح لكن المصالح لا تتغير ومن هنا بقيت مصر علي هذا الحال منذ قرابة قرنين من الزمان. ما أقوله ليس اكتشافا عبقريا لكنه تاريخنا الذي لا نقرأه وإن قرأناه لا نستوعبه وإن استوعبناه لا نستخلص منه العبر. العمل الذي أتحدث عنه ليس عملا سفليا من أعمال السحرة مكتوبا علي قحف قرموط أزرق اللون غائص في الطين لا يستطيع أحد اصطياده لكنه سياسة الخارج إزاء مصر منذ عام1840 وحتي الآن وما نفعله نحن بأنفسنا. في ذلك العام كانت قوات محمد علي تدق أبواب الاستانة عاصمة الامبراطورية العثمانية بعد أن دانت له الشام والحجاز والسودان. تحرك الخارج شرقه وغربه لقصقصة ريش محمد علي واضعا أسس سياسة قائمة ومطبقة منذ ذلك الحين كلما بدا في الأفق أن مصر يمكن أن تقوم لهاقائمة. مبعث الرعب لدي الخارج كان أن محمد علي حقق ما حققه خلال عشرين عاما لا غير ومن ثم كان الإدراك بأن هذا البلد الذي كان الظن أنه جثة هامدة قبل تولي محمد علي السلطة باختيار المصريين قادر أن ينفض عن نفسه أغلاله في وقت وجيز إذا توافرت له القيادة التي تتسم بالكفاءة. وكانت القناعة التي توصل اليها الخارج أن مصر القوية تمثل تهديدا خطيرا لمصالحه في المنطقة وأنه لا ينبغي السماح لها أن تمتلك من أسباب القوة ما يضع هذا التهديد موضع التنفيذ. لكن كانت هناك قناعة أيضا بأن مصر الجثة الهامدة تمثل خطرا أكبر علي مصالح الخارج لان المنطقة في هذه الحالة سوف تتحول الي فوضي لا ممسك لها. ما حدث مع محمد علي حدث مع حفيده إسماعيل عندما بدا أن مصر بصدد أن تصبح صاحبة امبراطورية في إفريقيا وحدث مع جمال عبدالناصر حينما ظهر أن مشروعه التنموي يمكن أن يؤتي أكله ويحدث أيضا الآن بعد ثورة25 يناير التي تحدث بذكرها الركبان لمدة18 يوما ثم خطفها الغراب وطار خوفا من أن تمثل استيقاظا غير مطلوب. لكن الخارج ليس وحده من يعمل لمصر عملا وإنما نحن أيضا وبأسوأ مما يفعله الخارج. مأساتنا ليست في أننا غير قادرين علي التعلم فلو كان الأمر كذلك لكان انعدام القدرة عذرا لا حيلة معه. لكن المأساة أننا قادرون لكننا غير راغبين. ثمة إصرار علي تكرار نفس الأخطاء وكأننا نسعد بفشلنا. نحن مصابون بانفلات أمني ممنهج ومع ذلك تتكرر نفس الأخطاء في التعامل رغم أرقام الضحايا المتصاعدة من رجال الجيش والشرطة وهم أبناؤنا وعزيز علينا فقدهم. نحن مصرون علي التعامل مع مشكلة الإرهاب أمنيا فقط مع أن هناك أبعادا اجتماعية واقتصادية وسياسية يتعين أن تتواكب مع الجهد الأمني المطلوب لكي نخرج من مستنقع الإرهاب لكننا لا نفعل فتكون النتيجة ما حدث للمسيحيين في العريش. ما نحن فيه من تآمر الخارج وبلاء الداخل لا ينفع في صرفه عنا ما كانت تردده خفيفة الظل زينات صدقي في أفلامها وهي تشبشب بيدها فوق رأسها أشتاتا أشتوت إنما أن نتقي الله في أنفسنا وأن نتقيه في وطن في مهب الرياح.