المقصود من الخطاب الديني هو النتاج الفكري, والثروة العلمية والفقهية لتي تركها لنا الأئمة العظام ممن قدحوا زناد الفكر, وتأملوا حق التأمل في نصوص الشريعة الإسلامية فاستنبطوا لنا هذه المفاهيم المتعددة, وتلك القضايا الوافرة. ومن ثم فليس التجديد الذي نعنيه متعلقا بالنصوص الشرعية من كتاب أو سنة صحيحة ثبت نقلها عن المعصوم صلي الله عليه وسلم. وإذا كان الواجب الشرعي يحتم علينا النظر بإمعان في هذه النصوص التي نقلت إلينا عنهم رحمهم الله تعالي فإنه لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن الأصل في تلك النظرة أن يكون صاحبها واقفا موقف الحكم بين طوائف العلماء مجليا ما لهم تارة, وما عليهم آونة أخري. ولنأخذ نموذجا للتجديد( كالتجديد في مناهج المفسرين وتراثهم), فإيماني التام, ويقيني الصادق يحتمان علي الإقرار بأن الاقتصار علي إعادة كلام الأقدمين رحمهم الله دون زيادة عليه تعطيل لفيض القرآن الذي ما له من نفاد,( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده, من بعده, سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم), لقمان:27]. والناس إزاء كلام الأقدمين رحمهم الله أحد رجلين: رجل معتكف فيما شاده الأقدمون, وآخر أخذ بمعوله في هدم ما مضت عليه القرون, وفي كلتا الحالتين خطر جسيم, وضرر كبير. إذن ماذا نصنع في مجال التجديد في مناهج التفسير حتي لا نكون أحد هذين الرجلين؟ إننا نمثل حالة ثالثة ينجبر بها الجناح الكسير, وتتمثل هذه الحالة في أن نعمد إلي ما أشاده الأقدمون, فننظر فيه بالتهذيب والزيادة والشرح والتوضيح وإزالة ما علق به من شوائب, وما طرأ عليه من الدخيل حتي نبرز للناس الأصيل في التفسير فتتجلي زبدة الحق الصراح وتذهب رغوة الباطل. وبهذا المنهج الوسطي للتجديد لا يمكن لأحد كائن من كان أن يتهمنا بأننا نقضنا تراثنا أو أبدناه بل خدمناه وهذبناه وجليناه لأننا نؤمن بأن في النقد لتراث الأئمة غمض فضلهم, وغمض فضل السابقين كفران للنعمة وجحد لمزاياه, وكلاهما ليس من حميد خصال هذه الأمة التي تؤمن بأن الفضل للمتقدم. ودعوي المخلصين الصادقين للتجديد أتت علي أيدي مصلحين كبار بعد فترات من الزمن زعم فيها البعض بحسن نية أو عن عمد أن باب الاجتهاد قد أغلق, وأنه لا أمل في التجديد حيث فترات الهمم وقلت العزائم واقتصر العلماء علي التقليد للسابقين فما زادوا عن شرح غامض أو بسط مختصر أو كتابة حواشي وتقريرات علي الحواشي,ويأتي التالي فينقل عن السابق وقل أن تجد شخصا يتجرأ علي نقد ما ينقله لأنه تراث يحرم الاقتراب منه بهذا الأسلوب بل قل أن تجد شخصا يتجرأ فيزيد فهما جديدا يبرز به للناس هدايات هذا الكتاب العظيم الذي أنزله الله تعالي هدي ورحمة وبشري وجعله شفاء لأمراضنا. اللهم إلا ما كان من البعض من الأئمة المحققين من أمثال حجة الإسلام الغزالي عليه الرحمة الذي يقول في إحيائه: التدبر في قراءته: إعادة النظر في الآية, والتفهم أن يستوضح من كل آية ما يليق بها كي تنكشف له من الأسرار معان مكنونة لا تنكشف إلا للموفقين.