قال الدكتور عبد الفتاح عبد الغني العواري عميد كلية أصول الدين بالقاهرة: إن كلمة "الخطاب الديني" من الكلمات التي شاعَتْ، على ألسنة المثقَّفين، وفي وسائل الإعلام مرئيَّةً ومسموعةً ومقروءةً، ولكنَّها مع ذلك غير مُحدَّدة الأبعاد، وغير معلومةٍ في استخداماتها ومآلاتها. وأكد العواري، خلال الندوة التحضيرية لمؤتمر التجديد في الفكر والعلوم الإسلامية، أن الواجبَ الشرعيّ يُحتِّم علينا تحديدَ المفاهيم، لكثرة المفاهيمَ المغلوطة التي اعترت خِطابَنا الدِّينيَّ على أيدي فئةٍ مُتشدِّدة لا تملكُ من أدوات العلم ما يُؤهِّلُها لذلك، والعلماء هم المَعنِيُّون بتحديدِ هذه المفاهيم، وتجلية المفهومِ الصحيحِ لها وإبراز الوجهِ الذي تقصدُه الأدلَّةُ الشرعيَّةُ، وتُؤيِّدُه دلالاتُ اللغة بقوانينها؛ فمتى قام عُلَماؤنا بهذا الجانبِ يكونوا قد قدَّموا خِدمةً جليلة للإسلام. وبين أن المقصود من الخِطاب الدِّينيِّ هو النّتاجُ الفكريُّ، والثروةُ العِلميَّة والفقهيَّة التي ترَكَها لنا الأئمَّةُ العِظام، ومن ثَمَّ فليس التجديدُ مُتعلِّقًا بالنصوص الشرعيَّة من كتابٍ أو سُنَّةٍ صحيحةٍ ثبَت نقلُها عن المعصوم - صلَّى الله عليه وسلم. وأوضح العواري، خلال الندوة التي عقدت بقاعة الأزهر للمؤتمرات بمدينة نصر، أمس، أن منهج التجديد في التفسير لدى الأزهر هو بالعودة إلى اجتهادات الأقدَمين، والنظر فيها بالتهذيب والزيادةِ والشرح والتوضيح وإزالة ما علق به من شوائب، وما طرأ عليه من الدخيل؛ حتى نُبرِزَ للناس الأصيلَ في التفسير، وبهذا المنهجِ الوسطيِّ للتجديد لا يُمكن لأحدٍ كائنًا مَن كان أن يَتَّهِمنا بأنَّنا نقَضْنا تراثنا أو أبَدْناه، بل خدَمْناه وهذَّبناه وجليناه. من جانبه، قال الدكتور محمد رأفت عثمان عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف: إن إحدى الصِّفات الملازِمةِ للفقه الإسلامي أنَّه قابلٌ للتجديد دائمًا في كُلِّ العصور؛ وذلك إنَّما يَرجِعُ إلى أنَّ حقيقة علمِ الفقه هي، الأحكام الشرعيَّة العَمَليَّة التي يَستنبطُها المجتهِدون من الأدلَّة الشرعيَّة التفصيليَّة. وأضاف عثمان، أننا مُحتاجون دائمًا إلى التجديد في الفقه الإسلامي، ومن المعروف والمشهور أنَّه قد حصل التجديد من إمامٍ كبيرٍ في الفقه الإسلامي هو الإمام محمد بن إدريس الشافعي؛ فقد كانت له آراء في قَضايا كثيرةٍ وهو في بغدادَ، وعندما استَقرَّ في مصر تَغيَّر اجتهادُه في كثيرٍ منها؛ فأصبح الشافعيَّةُ يُطلِقون على ما أبداهُ الشافعيُّ من أحكامٍ فقهيَّة قبلَ أن يَدخُل مصر "القول القديم"، وما أبداه من أحكامٍ فقهيَّةٍ بعد دُخولِه مصرَ "القول الجديد"، وأصبحت الفَتوى في مذهب الشافعيِّ هي ما أبداهُ في مَذهَبِه الجديدِ، إلَّا في بعضِ مسائلَ تَكلَّم عنها فُقَهاء الشافعيَّةِ. ودعا العلماء إلى بيان أحكام الشرع فيما يَطرَحُه الإرهابيُّون والمتطرِّفون من آراء يَدَّعون أنَّها من الشريعةِ، وهي في الحقيقةِ شُذوذٌ عن أحكام الشرعِ ومُنافاةٌ صارخةٌ لتَسامُحها، وتنقية الكتب الفِقهيَّة من الآراء التي يَظهَرُ فيها الغلوُّ، ويكون ذلك تحتَ اسم مُلخَّص كتاب كذا أو تيسير كتاب كذا، وهو ما بدأ الأزهر الشريف الآن به. كما أكد ضرورة عرض الأحكام الشرعيَّة فيما يَتناوَلُه العُلَماء منُ القضايا بالأسلوبِ الخالي من الصُّعوبة على فَهمِ المعاصِرين ، وعدم الجمود على ما يراه بعض الفقهاء القُدامَى من آراء لا تتَّفق ومُعطَيات العلم الآن، وخاصَّةً إذا لم يَكُنْ في المسألة نصٌّ من القُرآن أو السنة. وطالب الدعاةُ وأئمَّة المساجد بأن يتبنوا الدعوة إلى عدمِ التشدُّدِ ونبذِ العُنفِ في التعامُل بين الناس، كما طالب القائمين على التعليم بضرورة الاهتمامُ بالتربية الدِّينيَّة في المدارس، وجعلُها مادَّةَ نجاحٍ ورسوب.