أحمد السيوفى هل الإسلام وقيمه التى منعت حرق الحشرات أو الحيوانات، هل الإسلام الذى منع ذبح الحيوانات أمام حيوان آخر؟ هل الإسلام الذى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: «إذا ذبحتم ( يقصد ذبح الحيوان) فأحسنوا الذبحة ، فليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته؟» هل هذا الإسلام بهذه الأوصاف يمكن أن يبيح حرق إنسان تحت أى مبرر. هذه الأسئلة فجرتها واقعة حرق الطيار الأردنى وما نقل منسوبا إلى داعش بأنهم أحرقوا استنادا إلى أدلة شرعية ووقائع منسوبة للخليفة الأول أبى بكر الصديق رضى الله عنه وبعض الأقوال المنسوبة لابن تيمية . حملنا هذه الأسئلة إلى عدد كبير من علماء الإسلام وسألناهم: هل يجوز تحت أى مبرر حرق أى إنسان، وما مدى صحة تلك الأسانيد؟ وما الموقف الشرعى؟ كل هذا تجدونه فى طيات هذه السطور . وحول السؤال عن الأسانيد الفقهية والشرعية التى تستند إليها داعش قال فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية: إنه لا توجد أية أسانيد فقهية أو شرعية تجيز حرق الإنسان، أما الذى يحرق ويعذب بالنار فهو الله سبحانه وتعالى، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحرق بالنار إلا رب النار، فهى مسألة إجرام وقلة إيمان وعدم معرفة بتعاليم ديننا الحنيف، وهم يسيئون للإسلام ويشوهون صورة الدين الصحيحة، وهؤلاء سبة فى جبين الإسلام والدين، وهم المسئولون عن تشويه صورة الإسلام فى الغرب. بينما أكد الدكتور عبد الفتاح العوارى، عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر بالقاهرة أنه ليس لهذه الجماعة المتطرفة التى ينطوى فكرها على جهل مركب وأى وازع من دين، وليس لديها فى صنيعها الإجرامى البشع أى سند شرعى ولا من منطوق النصوص الشرعية ولا مفهومها ولا من كلام علمائنا العظام . بينما قال د. طاهر الفخرانى، أستاذ الفقه بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر - داعش لا تعرف أية أسانيد فقهية أو شرعية ولا تمت للإسلام بأى صلة، لأنه فى كل الأديان وكل الشرائع من المعروف أنه لا يجوز التنكيل بالجسد ، ولا يجوز التعذيب بالنار لا للإنسان أو حتى الحيوان، فالنبى صلى الله عليه وسلم يقول لا يعذب بالنار إلا رب النار، فأى مسوغ فقهى أو شرعى بنوا عليه هذا الكلام ، لا يوجد فى الإسلام أو فى أى شريعة أخرى غير الإسلام، لكن حقيقة تلك الجماعة كما يعلم الكثير أن قائدها رجل يهودى وهو من يدعى أبو بكر البغدادى، وأنه يعمل مع الموساد الإسرائيلى. وأضاف الدكتور أسامة الحديدى، خطيب وإمام مسجد سيدنا الحسين رضى الله عنه، بأنه لا وجود لأى سند فقهى للحرق ولا سند شرعى من كتاب الله وسنة نبيه، يجيز الحرق وهم مجرمون مفسدون ولا يحتاجون أن يجدوا مبررا لعمليات القتل التى يقومون بها غير تكفير الغير، ومن هنا يجدون المسوغ للقتل. أما الدكتور أحمد خليفة، مدرس الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون، فقال: هذه جماعة مخربة وإرهابية وقاتلة، فعلى أية أسانيد يعتمدون، فهذا تأويل باطل وظلم للفقه والفقهاء وللعلم والعلماء، ليس هناك أى سند، لا فقهى ولا دينى ولا شرعى يبرر قتل النفس بغير حق، وهنا الحق يقصد به القصاص لولى الأمر. أما الدكتور أحمد لطفى، أستاذ الفقه بكلية الدراسات بجامعة الأزهر، فأكد أنه لم يثبت عن سيدنا أبى بكر –رضى الله عنه- بسند صحيح أنه أمر بالحرق، وكذلك ما نقل عن ابن تيمية –رحمه الله- فى هذا الصدد لم يُفهَم فى سياقه، فهو يتكلم عن حرق الكفار المحاربين معاملة لهم بالمثل، يعنى إذا كانوا يحاربوننا ويفعلون ذلك بأسرانا. ثم إن كل ما نقل عن الفقهاء فى جواز التحريق، إنما هو فى حرق البيوت والدور وليس حرق البشر، والغرض فى كل ذلك هو تحقيق النصر على الأعداء إذا تعين ذلك سبيلاً للنصر. كيف ذلك وقد أمرنا النبى -صلى الله عليه وسلم- أن نُحسِن ذبح البهائم، رحمة منه –صلى الله عليه وسلم- بها؛ فقال: "إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليُرِح ذبيحته". وروى عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال: كنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-فى سفر، فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرة (طائر صغير كالعصفور) معها فرخان، فأخذنا فرخَيْها، فجاءت الحُمَّرة فجَعَلَت تفرِش، فجاء النبى صلى الله عليه وسلم فقال: مَنْ فَجَعَ هذه بولدها؟ رُدُّوا ولَدَها إليها، ورأى قريةَ نملٍ قد حرقناها، فقال: مَن حرق هذه؟ قلنا: نحن، قال: إنه لا ينبغى أن يعذِّب بالنار إلا رب النار". أضف إلى ذلك أن الله –عز وجل- قد أثنى على مسلمٍ صنع معروفاً فى أسير فأطعمه وسد جوعته حين قال: "ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً أسيراً" {الإنسان: 8}. فكيف لشريعة تأمر بإحسان ذبح البهائم، وتمنع ترويع الطيور وحرق الحشرات، وتثنى على من يطعم الأسير ويسد جوعته أن تبيح هذه الأفعال الشنيعة. كما أكد الدكتور الأحمدى أبو النور، وزير الأوقاف الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن داعش استندت إلى أن أبى بكر أحرق الفجاءة السلمى، لكن هذه الرواية ذكرها ابن كثير دون إسناد فى كتابه «بداية ونهاية» وذكرها الطبرى بروايتين مختلفتين، وأيضا فيهما ضعف لا يرقى بالمسألة إلى الاحتجاج، كما أن المجتمع الإسلامى الأول لم يدع أمرا يمر يختلف مع النصوص والآداب الإسلامية والقرآن والسنة دون أن يناقش ويحاسب، فكيف يمكن أن يقدم أبى بكر على مثل هذا الفعل دون أن يختلف معه الصحابة والمجتمع، خصوصا بعد وجود الحديث الصحيح، لا يعذب بالنار إلا رب النار، لكن هذه الرواية لا يمكن أن تكون صحيحة حتى لو ذكرت فى كتب التاريخ، فالطبرى له كتاب فى تفسير القرآن، وله كتاب فى التاريخ، وهو لا يعنى إلا بما وصله فيسجله سواء أكان صحيحا أم غير صحيح، أما فى التفسير فيعنى بدقة الرواية واتصالها وما إلى ذلك، لأن الرواية فى كتاب التفسير ستكون أساسا للتشريع، أما الرواية فى كتاب التاريخ لا تكون أساسا لتشريع، لذلك لا يمكن أن يأخذ هذا الأمر على أنه تشريع ، سوأيا كان من المسلمين، إذا أخذ رواية ما وأراد الاحتجاج بها، فنحن لسنا ملزمين بالالتزام بهذا الاحتجاج وغير معترفين به، فإن الذى يأخذ هذه الرواية الضعيفة التى لا أساس لها من الصحة، والتى تتعارض مع هو أصح هى لا يؤخذ بها، وإذا أخذت بها داعش يكون قد أخذوا بأمر يوافق هواهم ولا يوافق شرع الله، وبالتالى نحن مع شرع الله وليس أهواء الناس، لذلك لا يطمئن الإنسان إطلاقا لصحة هذه الرواية. هناك أقوال منسوبة لابن تيمية تجيز حرق الإنسان بالصورة التى تمت حسب ادعاء داعش.. فما رأيكم فيما نسب إلى ابن تيمية؟ قال الدكتور محمود عاشور، ابن تيمية ليس مشرعا وليس هو الذى نقتدى به ونأخذ منه، رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا كتاب الله وسنتى فنحن منهجنا وأسانيدنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإذا قال ابن تيمية هذا، فهو مسئول عنه أمام الله سبحانه وتعالى، لأن النبى أمر بعدم حرق الإنسان مطلقا . وقال الدكتور خليفة، هذا كذب ومحض افتراء وإن كانت نقلت فإنها نقلت بفهم مغلوط، وابن تيمية برىء من تلك الأقاويل وليس لأن ابن تيمية متشدد فى بعض المسائل أن ينسب له مثل هذا الكذب والافتراء وننسب له الحرق والتدمير وهو من الفقهاء الأجلاء. وأضاف الدكتور عبد الفتاح العوارى - حتى لو صحت نسبة ذلك إلى ابن تيمية أو غيره، فكل منا يؤخذ من قوله ويرد عليه إلا المعصوم هل ثبت عن النبى فى سائر حروبه أنه حرق؟ وهل ثبت أن الصحابة قد أحرقوا؟ لم يحدث لأن النبى قد ترك لهم دستوراً يسيرون عليه . وهذا ما أكده الدكتور طاهر الفخرانى فقال: لا أعتقد أن ابن تيمية قال هذا الكلام ولا صدر هذا الكلام على لسان أى عالم أو فقيه إسلامى، لأن هذا محرم، لكن قد يؤخذ الكلام من نهايته، فالكلام سباق ولحاق، ربما ابن تيمية كان ينقل أن هناك بعض الفرق كانت تعذب أو تقتل بالنار فيمكن أن يؤخذ الكلام أنه عنه، فى حين أنه كان يسرد قولا عن إحدى الفرق أو الجماعات، وهذا ما أوضحه أيضا الدكتور أحمد لطفى فى أن ما نقل عن ابن تيمية –رحمه الله- فى هذا الصدد لم يُفهَم فى سياقه، فهو يتكلم عن حرق الكفار المحاربين معاملة لهم بالمثل، يعنى إذا كانوا يحاربوننا ويفعلون ذلك بأسرانا. فى رأيكم ما أسباب صدور مثل هذه الفتاوى؟ هل هى مشكلة نصوص أم مشكلة فقه؟ أم مشكلة ماذا؟ أوضح الأستاذ الدكتور الأحمدى أبو النور أن المشكلة هى مشكلة فقه، لأنه لو المشكلة فى النص لكفانا بأن نأخذ النص الصحيح والأقوى وهو أساس الاحتجاج والعمل، أما المشكلة فهى مشكلة فهم النصوص وترجيح القوى، والصحيح وليس الضعيف والمعلول، وبالتالى فقه الأمور يحتاج إلى مستوى فكرى راق وهو غير موجود عند داعش وأمثالها . وقال الشيخ محمود عاشور، إن الإسلام للأسف الشديد مباح ، وكل أصبح يفتى فيه، ويقول فى الإسلام كأنه عالم فى الإسلام وللأسف لم يقف الإفتاء عند أهله، ومن هنا يجب أن يصدر الإفتاء عن من يعلمون ويدرسون ويفهمون وتعلموا أصول الدين جميعا وعرفوا أسباب النزول فى القرآن والحديث بكل درجاته وفهموا الفقه فهما دقيقا، هؤلاء هم من ينبغى أن يفتوا، لكننا عندنا الدين مباح وكثيرون يفتون بغير علم فيضللون الناس ويجب أن يصدر قرار يحرم أو يجرم الإفتاء من غير الخرجين من جامعة الأزهر، حيث هم أكثر الناس علما وقدرة على الإفتاء. ومن جانبه قال الدكتور طاهر الفخرانى، بالطبع هى ليست مشكلة نصوص فعندما نستعرض نصوص القرآن كلها ونصوص السنة لن نجد فيها مثل هذا أبدا وعندما نستعرض الفقه الإسلامى لا قواعد الفقه تقول بهذا، لكنها مشكلة فهم وتلبيس على بعض الناس يفهمون الكلام على غير أصوله وإلا فأتونا بقول من قرآن أو سنة أو قول من أقوال الفقهاء المعتبرين يقول بهذا الكلام ونتحداهم إذا أتوا به ، وهذه الجماعات مزروعة وموضوعة من أجل تشويه صورة الإسلام. بينما رأى الدكتور أسامة الحديدى أن المشكلة مشكلة فهم، حيث أصبح كثير من الناس لا يفهمون والمشكلة الكبرى أن من لا يفهم لا يحاول حتى يسأل لكى يفهم على الرغم من أى عالم من العلماء يوم يموت وما بلغ علمه مثقال ذرة فى بحر علوم الله ورسوله، فالأمر الذى نحتاجه الآن ليس تجديد الخطاب الدينى فقط، بل تجديد الفهم وليس تغيير النص، فعلى الرغم من اتساع الآفاق ووسائل التواصل الاجتماعى والإنترنت وما إلى ذلك كلما انفتح العالم تضيق الآفاق. الدكتور عبد الفتاح العوارى، قال إن المشكلة هى فهم النص والتعمق فيه وقلة التبصر، فهؤلاء قرأوا السنة كما فهموا، وهم قليلو الفهم إن للنص منطوقا ومفهوما ، وإن للنص دلالة مطابقة، وما إلى ذلك أن بعض النصوص عامة فى نصها مخصوصة فى حكمها، إذن فالأمر يحتاج إلى علم ودراسة وفقه، وهذا ما لا يملكه مثل هؤلاء . ما الأسانيد الشرعية التى تمنع حرق الإنسان أو تعذيبه فى الشرع الإسلامى؟ قال الدكتور طاهر الفخرانى فى الشرع الإسلامى وضع عقوبات للجرائم، وهى معروفة ومنصوص عليها فى القرآن والسنة وما عدا هذه العقوبات جعل عقوبة بعيدة المدى وهى عقوبة التعزير، وهو لا يصل أبدا إلى درجة الحد إذا كان حد القتل أو الجلد أو إلى آخره فيمكن أن يكون التعزير بالحبس بالضرب، فكل جريمة لها تعزيز يليق بها فلا توجد عندنا فى الشريعة الإسلامية عقوبة بالحرق ، فلا يوجد أى مسوغ فقهى لهذا الكلام. بينما قال الدكتور محمود عاشور، إنه لم يوجد إطلاقا نص شرعى يبيح للمسلم أن يحرق مسلما ولم يحدث مع الأسرى أو غير الأسرى فى عهد رسول الله، وكانوا الأسرى إما يفتدون أو يبقون فى الأسر.