ليس من العسير أن نحيط بجميع الوسائل التي تؤدي إلي النهوض فمصر خلقت للحضارة, ولذا فإن همتنا يجب أن تحيطها الصراحة حتي نحمي تاريخنا وأجيالنا من التشويه, وإذا كانت المبادئ لا تتغير فإن الوسائل إلي تحقيقها يجب أن تتغير لملاءمة الظروف, فمن التعسف أن نجمد العقول علي اتباع خطة لا تواكب القادم من أيام الله فتقضي عليها الظروف لأن لكل ظرف جديد وسيلة جديدة, فينبغي ألا تكون أحوالنا انفعالية لا فعلية, سلبية لا إيجابية, فالمسألة مسألة أمة. لم يضرها سوي غفلة مسئوليها في الأزمان الغابرة, فهناك عبر التاريخ فرق بين من يعملون دفاعا عن مصلحة أمة ينفقون العمر ليحصد الأبناء عملا راسخا يهتدون بهديه وصولا للأفضل, وبين من يعملون إكراما لرغباتهم أو إرضاء لمآرب كبرائهم, فأولئك طلاب شهرة لا طلاب رقي أو عديمو البصر والبصيرة بأحوال أمتهم حاضرا ومستقبلا, لذلك كانت حرية الفكر وحرية الضمير حصاد حرية الكلام, لأن الكلام أو الخطابة ألزم من حرية الكتابة, فليس كل موضوع أو حدث محلا للكتابة ولا كل ظرف مواتيا لها, فإن الكلام أو الخطابة خاصة لها دوافع قوية في النفس الإنسانية, وبالتالي فقد تطورت الخطابة بتطور الحياة واتساع دائرة الأغراض الحياتية حتي باتت قاعدة لتقرير الحقائق وتقويم العلل المجتمعية وحمل الناس علي ما يراه الخطيب المعتدل فتستيقظ النفوس الغافلة وتهتدي النفوس الشاردة( فالساكت علي الحق شيطان أخرس), أما الذين يقيدون الخطباء الأسوياء ويحجرون علي عقول الحضور, هم أعدي أعداء حرية الفكر وحرية القول, فضلا عن تعطيل أو وأد عبقريات وإبداعات الخطباء النابهين أصحاب الحيل في الإقناع ومعالجة أمراض المجتمع المعنوية والحسية خاصة مع تدني الثقافة العامة وانحراف الإعلام وتشويه التعليم, فالخطيب الحق هو من يسدي للوطن أجل الخدمات خاصة التي عجزت الحكومات أمامها, بما يملكه من غيرة علي الدين وتبصير بمنافع الناس, فيقبل الناس عليه وهم يرون أنه لا غني لهم عن جرعة العلاج الأسبوعي المعروفة باسم صلاة الجمعة أو العيد الأسبوعي للمسلمين. فهل يستذكر المسئول عن المنابر أن الخطابة في حياة الأوائل كانت هي الإعلام والصحافة ووسيلة التواصل المجتمعي؟. فلماذا لا نحرص علي دورها وتأدية وظيفتها خاصة أنها فيما أري من مصابيح تبديد ظلمات القلوب والنفوس, فمنها بلغت الحضارة فستظل الخطبة أقوي وسيلة للإقناع في المحافل المجتمعية, فلا يزال لها سحر الأفئدة والعقول علي اختلافها, لأنها الوسيلة الأسرع لإظهار الحقائق ومداواة المجتمع, فما يقوله الخطيب في دقائق معدودات ينفقه الكاتب في صفحات تتجاوز العشرات, فلماذا نوصد بابا من أبواب الخير المجتمعي والتاريخي. حسبنا أن لسان الخطيب وبلاغته وبيانه وطبقاته الصوتية وتعبيراته الإشارية كلها بواعث علي الإقناع والتأثير فتسري أنوار خطبته إلي سامعيه ومشاهديه لأنهم شركاء في الغرض المنشود والهدف المأمول فتطمئن القلوب( ألا بذكر الله تطمئن القلوب), وتركن النفوس إلي السكينة والرضا والحمد والشكر علي آلاء المولي تعالي وقضائه, فهلا اقتنع المسئول أن الخطابة أمضي سلاح لمساعدة الحكومة علي محاربة التطرف والانحراف, وليتم الله علي الجميع نعمة الإخاء فهي أساس التضامن والرضا في عالم مضطرب متعب!!