حقائق مرعبة كشف عنها تقرير لصندوق النقد الدولي حول ديون مصر الخارجية تعيد إلي الذاكرة صندوق الدين الذي فرضته الدول الأجنبية علي مصر في عهد الخديو إسماعيل بسبب الاقتراض المفرط من الخارج والذي لم تتمكن معه مصر من سداد الديون وقتها. السيدة سحر نصر وزيرة التعاون الدولي تمكنت من أن ترفع ديون مصر الخارجية بقدرة قادر إلي60 مليار دولار في الربع الرابع من عام2016 وفقا لبيانات البنك المركزي المصري أي تقريبا لضعف مديونية مصر بعد قيام ثورة25 يناير. الخطورة في الأمر أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن ترتفع ديون مصر الخارجية إلي102 مليار دولار عام2021/2020 بعد تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي لكي تتجاوز نسبة ديون مصر الخارجية نسبة25% من الناتج المحلي الاجمالي وقال الصندوق أنه يتوقع أن ترتفع الديون الخارجية إلي66 مليار دولار بنهاية العام المالي2016/.2017 هذا مؤشر بالغ الخطورة لأنه يعني تحميل الأجيال المقبلة عبء سداد الديون الخارجية وفي هذا السياق لا يجوز أن يخرج علينا مسئول لكي يقول لنا أن الديون الخارجية ما زالت في مرحلة الأمان نسبة إلي الناتج المحلي الاجمالي لأننا لا نعرف حتي الآن كيف سيتمكن الاقتصاد المصري من الانتاج والتصدير ومن ثم يصبح قادرا علي التصدير ومن ثم القدرة علي تسديد الديون. الاقتصاد المصري يعاني من عثرات.. اقتصاد ما زال ريعيا يعتمد علي مصادر قابلة للنضوب وتتأثر بسبب التقلبات السياسية مثل السياحة وتحويلات المصريين العاملين في الخارج ودخل قناة السويس.. لا بد أن يتحول إلي اقتصاد قادر علي الانتاج.. وهذا يتطلب وقتا ليس قبل عدة سنوات.. ولا أحد في مصر يناقش هذه المسألة الخطيرة. تاريخ مصر مع الديون بالغ الخطورة وينبغي أن يتم الاقتراض بحرص شديد وبشكل لا يحمل الأجيال المقبلة عبء الدين الكبير.. وفي التاريخ عبرة لنا. تكلفت خزانة مصر الكثير من الأموال بسبب إصلاحات إسماعيل وتوسعاته, وتراكمت الديون عليها خاصة بعد انخفاض أسعار القطن انخفاضا كبيرا بعد انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية, وكانت الدول الغربية الكبري تدرك أن الديون أسهل وسيلة للتدخل في شئون الدولة المدينة, وفرض الوصاية المالية عليها, ثم السيطرة عليها في مرحلة لاحقة. وقد تجددت مخاوف هذه الدول من قيام إمبراطورية مصرية أفريقية تؤثر علي مصالح الدول الاستعمارية الغربية. وقد حاول إسماعيل أن يسد العجز في الميزانية عن طريق الضرائب المختلفة, إلا أنه لم يفلح في ذلك, فلجأ إلي الاستدانة من الخارج, وتدافعت البنوك والمؤسسات المالية علي إقراضه, ولكن سماسرة الديون وقناصل الدول أخذوا ما يقرب من40 مليون جنيه إسترليني من قروض مصر البالغة90 مليونا, وكان هذا غبنا فاحشا;فتعثرت مصر عن السداد, واضطرت إلي بيع أسهمها في قناة السويس بمبلغ هزيل للإنجليز, وهو ما جعلها علي حافة الإفلاس والخراب المالي, وكان ذلك ذريعة لمزيد من التدخل الأجنبي, فأنشأت الدول الدائنة صندوق الدين, وعينوا مراقبين ماليين: أحدهما إنجليزي, والآخر فرنسي; لمراقبة إيرادات ومصروفات البلاد, بل إن الوزارة دخلها وزيران أوروبيان لأول مرة في تاريخ مصر. وانتهي الأمر إلي طلب الدائنين فرض الوصاية المالية الكاملة علي مصر, وأن يكون لسداد الديون الأولوية المطلقة. وأدي هذا التعنت الأوروبي إلي انتفاضة وطنية تلقائية في( ربيع آخر1296 ه- إبريل1879 م) جمعت قادة وطوائف الشعب المصري المختلفة, دعوا خلالها إلي اكتتاب عام لسداد قسط الدين الذي تعثرت الدولة في سداده, ويبلغ1.5 مليون جنيه إسترليني, وتم تحصيله علي الفور وسداده. ودعوا أيضا إلي إقامة حياة نيابية كاملة, والعمل علي سداد الديون والوقوف أمام التدخل الأجنبي, والتقوا الخديو إسماعيل الذي أقر مطالبهم, وهو ما أثار مخاوف الدول الغربية, وقدم قنصلا بريطانيا وفرنسا إنذارا إلي إسماعيل بأن يرجع عن تأييد المشروع الوطني, وإلا فإنهما سيتخذان الأساليب المختلفة لعزله. البرلمان يقع عليه مسئولية أيضا للرقابة علي الوتيرة المتسارعة في الاقتراض من الخارج والوضع الراهن يطرح سؤالا جوهريا: هل السيدة وزيرة التعاون الدولي مطلقة اليد في الاقتراض من الخارج؟