1879 تبنت الرأسمالية الوطنية دعوة إلى اكتتاب عام لسداد دين الدولة بقيمة 1.5 مليون جنيه استرلينى 1956 بعد قيام ثورة يوليو عادت مصر للاستدانة لبناء الجيش.. والديون الصغيرة انحصرت لدى الاتحاد السوفييتى شكلت الديون أزمة مزمنة فى مصر طوال تاريخها الحديث منذ بداية تفجر تداعياتها فى عصر الخديو إسماعيل، وكانت المشكلات تتفاقم من وقت إلى آخر، وتكبد المصريون بسبب تورط حكامهم فى الديون معاناة كبيرة، تمسّ ضرورات الحياة وتعرقل آمال الازدهار، وبلغت فداحة الموقف الحالى درجة قصوى اضطرت خطورتها الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى تأجيل اعتماد الموازنة العامة للدولة، بعد أن قفزت ديون مصر الداخلية إلى 1.7 تريليون جنيه، والخارجية إلى 45.8 مليار دولار فى نهاية ديسمبر الماضى، طبقا للتقارير الرسمية للبنك المركزى المصرى. تاريخ مصر مع الديون كان بدايته مأساوية فى عهد الخديو إسماعيل الذى ورثَ عن سلفه الخديو محمد سعيد 11 مليونًا ومئة وستين ألف جنيه، وواصل سياسة الاقتراض للصرف على مشاريعه الكبرى وملذاته بشراهة، حتى بلغت ديون مصر عند عزله 126 مليونًا و354 ألفًا و360 جنيهًا، وقد نتج عن شراهته فى الاستدانة حد، جعل المرابين والسماسرة ينهبون نحو 40% من قيمة القروض، قبل وصولها إلى الخزينة المصرية، وبعد أن ضيق الدائنون الخناق على إسماعيل المسرف، اضطر إلى بيع أسهم مصر فى قناة السويس بمبلغ هزيل للبريطانيين، وعندما بدأت حالة من التعثر فى سداد الديون، وجدت الدول الأوروبية فى هذا الوضع ذريعة لمضاعفة تدخلها فى الشأن المصرى، فأنشأت الدول الدائنة «صندوق الدين»، وعينت مراقبَين ماليين الأول بريطانى والثانى فرنسى، لمراقبة مصروفات وإيرادات البلاد، ووصل الأمر إلى تعيين وزيرين أوروبيين فى مجلس الوزراء فى إجراء غير مسبوق فى تاريخ مصر، وإمعانا فى الهيمنة طلب الدائنون فرض الوصاية المالية الكاملة على مصر، وأن تكون الأولوية المطلقة فى ميزانية الدولة لسداد الديون. بسبب هذا التمادى الأوروبى قامت انتفاضة وطنية تلقائية، نعم تلقائية فى أبريل 1879، وكانت رأسمالية ذلك الزمان صادقة واعية بمسؤوليتها الوطنية، فتبنت مع قادة وطوائف الشعب المصرى دعوة إلى اكتتاب عام لسداد قسط الدين، الذى تعثرت الدولة فى سداده، وكانت قيمته 1.5 مليون جنيه إسترلينى، وتم جمعه على ضخامته بمعايير وقته فى فترة زمنية قصيرة، ليتم سداده فى موعده، وطالبوا فى ذروة هذا الفوران الوطنى بإقامة حياة نيابية كاملة، واتخاذ الإجراءات اللازمة لاستمرار سداد الديون فى موعدها، والرفض البات لأى تدخل أجنبى يمس السيادة، وقابلوا الخديو إسماعيل الذى وافق على مطالبهم، مما أدى إلى استفزاز الدول الأوروبية وأثار مخاوفها من الحركة الوطنية المصرية الوليدة، التى لم يكن لها مثيل فى هذا الوقت خارج الغرب، وقدم قنصلا بريطانيا وفرنسا إنذارا إلى إسماعيل لكى يتراجع عن تأييد المشروع الوطنى وإلا فإنه سيتعرض للعزل. ساندت الحركة الوطنية إسماعيل فرفض إنذار القنصلين، وأصدر نزولا على الإرادة الوطنية مرسومًا بتسوية الديون وإقصاء الوزيرين البريطانى والفرنسى من مجلس الوزراء، واستكمل مرسومه بتكليف شريف باشا بتشكيل وزارة وطنية، وهنا أصيب الأوروبيون بالهستيريا، وتوالت احتجاجاتهم العنيفة، وبدا المشهد كما لو كانت أوروبا مشتبكة فى ساحة حرب مع مصر وحاكمها، ولجأت إلى حيلة خبيثة لعزله تمثلت فى تحالف انتهازى مع الباب العالى، فأصدر خليفة المسلمين فرمانا مدفوع الثمن بعزل الخديو. تخلصت مصر من عبء الديون التى توارثتها منذ أيام الخديو إسماعيل وبعض من تَلوه فى عهد الملك فاروق آخر ملوك أسرة محمد على فعليا، حيث لم تصبح خزينة الدولة المصرية مَدينة بسبب الاقتراض وتحديدا لبريطانيا العظمى، التى كانت تحتل مصر، وقد ساعد على إنهاء الديون فى عهد فاروق حاجة بريطانيا فى أثناء الحرب العالمية الثانية إلى تمويل جيوشها، بعد أن فرغت خزائنها تحت وطأة مصروفات الحرب، لهذا اتجهت إلى أن تسحب على المكشوف من مصر التى لم تكن متورطة مباشرة فى هذه الحرب، وساعد هذا الوضع الاستثنائى على تسوية الديون حتى صارت مصر تداين دولة الاحتلال، لكن هذا لا يعنى أن الديون الخارجية التى صارت صفرا كانت تعكس ازدهار الدولة وتحقيق الرفاهية والعدالة الاجتماعية، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد كان الحفاء ينتشر بين المصريين لضيق ذات اليد لشراء أحذية، وكان التعليم ينحصر فى طبقة صغيرة والأوبئة تتفشى من وقت لآخر. بعد قيام ثورة يوليو عادت مصر للاستدانة اعتبارا من عام 1956؛ لبناء الجيش المصرى وكانت الديون صغيرة تنحصر لدى الاتحاد السوفييتى بعد معاندة الغرب للقاهرة، نتيجة توجهاتها لتعظيم الاستقلال والسيادة الوطنية، ورفض أى شكل من أشكال التبعية، لهذا تم رفض تمويل بناء السد العالى وتسليح الجيش الذى كان فى حاجة ماسة إلى السلاح، وقد أشاع الكارهون عن جمال عبد الناصر أنه تسلم مصر وهى دائنة لبريطانيا بمبلغ 400 مليون جنيه إسترلينى وسلّمها سنة 1970 وهى مدانة بمبلغ 2 مليار دولار، بالإضافة إلى 5 مليارات دولار من الديون العسكرية، وآخر من ردد هذه الأكذوبة الرئيس الأسبق محمد مرسى، بينما تتلخص الحقيقة فى أن بريطانيا سخرت كل إمكانيات مصر بالإكراه لصالح مجهودها الحربى هى والحلفاء فى الحرب العالمية الثانية، واعتبرت ما حصلت عليه دينًا لمصر فى البنوك البريطانية، وقد تم تبديد 320 مليون جنيه إسترلينى من قبل الحكومات المصرية فى الفترة من 1945 حتى 1952، وتبقى مبلغ 80 مليون جنيه عند قيام ثورة يوليو سنة 1952، ونتيجة لتأميم قناة السويس وحرب 1956 ودخول مصر فى مواجهة مباشرة مع بريطانيا، استمرت حتى حرب اليمن، امتنعت بريطانيا عن سداد مبلغ ال80 مليون جنيه إسترلينى لمصر، وعندما توفى عبد الناصر عام 1970، كان إجمالى الدين قد بلغ رغم ظروف النكسة 1.7 مليار دولار، وكانت قيمة الدولار وقتها لا تزيد على 30% من قيمة الجنيه المصرى، أى أن الجنيه كان يساوى 3 دولارات بمعنى أن إجمالى الدين بالعملة المصرية لا يزيد على 566 مليون جنيه بالعملة المحلية، استخدمت فى التسليح وبناء السد العالى وصناعات الحديد والصلب والكيماويات والصناعات المعدنية والأدوية وغيرها، وقد تم إسقاط الجزء الأكبر منها من جانب الاتحاد السوفييتى السابق فى وقت لاحق، واتجهت القروض فى الحقبة الناصرية للتنمية فقط، حتى إن الناتج المحلى تضاعف 5 مرات. كان الرئيس أنور السادات محظوظا لأن آثار الدين الخارجى الذى تضاعف فى عهده إلى قرابة 9 مرات لم تؤثر على ميزانية الدولة فى ذلك الوقت، رغم أن الأوجه التى تم صرف قيمة القروض فيها كانت بعيدة كل البعد عن التنمية، وقد ساعد على عدم انكشاف تأثير القروض على موازنة الدولة، الدخول الريعية الكبيرة التى هبطت على الدخل القومى بعد حرب أكتوبر 1973، والتى بدأت بتحويلات المصريين فى دول الخليج، وقد ضخت مبالغ كبيرة من العملة الصعبة، بالإضافة إلى انتعاش السياحة وإعادة افتتاح قناة السويس، وازدياد معدلات تصدير البترول الذى كان فى طريقه إلى التضاؤل. بدأ مبارك عهده وارثا عن سلفه المسلك القبيح فى الاقتراض الشَّره غير المنضبط، الذى كانت مصر قد ودعته منذ عقود طويلة فى ظل الملكية والجمهورية على السواء، وقفز الدين الخارجى إلى قرابة 50 مليار دولار بعد 7 سنوات من بداية حكمه، مما جعل مصر فى نهاية الثمانينيات على شفا الانهيار الاقتصادى، لأنها بدأت تواجه صعوبات جمة فى تسديد مستحقات الدائنين إلى حد التوقف، وقتها جاءت حرب تحرير الكويت لتكون طوق النجاة للاقتصاد المصرى، الذى أوشك على الغرق، عندما تمت مكافأة مبارك نتيجة انضمام الحكومة المصرية إلى التحالف الدولى الذى قادته الولاياتالمتحدةالأمريكية فى الحرب على العراق، وتم إسقاط الديون المستحقة لحكومات دول الخليج خلال النصف الأول من عام 1990، وكذا الديون العسكرية الأمريكية فى نفس التوقيت، بما يصل إلى 14.5 مليار دولار إضافة إلى فوائدها المتراكمة. لم يكن نهج مرسى الذى لا تشغله قضايا الوطن يختلف عن مبارك أو السادات، فى خلال سنة حكمه، فكان الدين المصرى الخارجى يتزايد بمعدل مليار جنيه شهريا تقريبا، فبعد أن كان حجم الدين فى بداية عهده قرابة 34.4 مليار دولار، زاد ليصل فى نهاية عهده إلى 45.4 مليار، إذ اقترض من قطر 7 مليارات دولار، واقترض من ليبيا 2 مليار دولار فى صفقة مقايضة مخزية باع فيها مجموعة اللاجئين السياسيين، واقترض مليار دولار من تركيا، ثم قام بسحب نحو مليار دولار من قرض قيمته 2.5 مليار دولار مبرم مع بنك التنمية الإسلامى، ومحصلة هذا أنه أضاف 11 مليار دولار للديون الخارجية لتصبح 45.4 مليار دولار فى فترة حكمه، دون أن يبذل أى جهد من أجل تعبئة الموارد المحلية فى اتجاه التنمية والإنتاج، لتستمر مصر تدور فى حلقة الديون المفرغة، لا سيما بعد أن ارتفع الدين الداخلى ليصبح 1.553 تريليون جنيه أى 1553 مليار جنيه، بعد أن كان مقداره 1310 مليارات جنيه فى 30/6/2012.