ثورة25 يناير حدث غير مسبوق في التاريخ المصري يجب أن نستثمره في تحديث شامل لمؤسسات وعقلية العمل في مصر وانتاج تغيير كمي ونوعي لمستوي معيشة المواطنين وإطلاق طاقاتهم والمشروعات الصغيرة والمتوسطة, كما تشكل عصب الاقتصاد العالمي فهي الركيزة الأساسية للاقتصاد المصري القائم علي المبادرة الفردية هذا القطاع الاستراتيجي يستحق أن تهتم به الثورة وتضعه في صدارة أولوياتها وتستفيد من قدرته علي تسريع النمو والتطور فهي تمثل نحو99,7% من إجمالي المؤسسات وتوفر فرص عمل لحوالي75% من القوي العاملة في مصر. ومنذ مشاركتي في دراسة للمجالس القومية المتخصصة عام2000 عن أوضاع هذه المشروعات أطلقت برامج وحققت قفزات هائلة في مختلف الدول بينما جمد اهتمام الدولة بها وانحصر في الصندوق الاجتماعي للتنمية وهو جهاز يحتاج إلي إعادة نظر وتحريره من عقلية النظام السابق. والأمر لايحتمل التأجيل فالمشروعات الصغيرة والمتوسطة تعاني من تحديات تضعفها وتهدد بقاءها وهذه التحديات تنقسم إلي ثلاث مجموعات: * غياب القرار السياسي وغموض الإجراءات وغياب التنسيق والتنافس بين الأجهزة واستنزاف ميزانية الدولة والمنح الخارجية المخصصة لتنمية هذه المشروعات. * قصور البنية الداعمة من تمويل وأراض صناعية وخدمات فحجم التمويل المقدم من الجهاز المصرفي لها غير كاف وهل يعقل وجود15 جهة تمويلية لهذه المشروعات في السعودية بينما يقتصر عدد هذه الجهات علي أصابع اليد الواحدة في مصر( مع فارق عدد السكان) وتعاني في الحصول علي الأراضي وغياب العناقيد الصناعية وندرة الحاضنات بالرغم من وضع الصندوق الاجتماعي لبرنامج حاضنات عامة وتكنولوجية بالمحافظات عام1996 فلا يوجد منها عدد يذكر علي خريطة مصر. * ضعف تركيبة هذه المشروعات وتدني رؤوس أموالها ومحدودية قدراتها الانتاجية والإدارية وغياب الابتكار والقاعدة التكنولوجية التي تستند عليها مما يؤدي إلي تدني قدرتها التنافسية وغيابها عن قطاعات حيوية وتعد صناعة وسائل النقل خير دليل فمصر تمتلك ثاني أقدم خط سكك حديد في العالم وليس لديها مصنع متطور لقطع غيار وتجهيزات القطارات ولم تفلح عشرات الاتفاقيات مع الجامعات ومراكز البحوث في تطوير هذه المشروعات وتم الإجهاز علي برنامج الاتحاد الأوروبي لتحديث الصناعة والذي توقع تطويره لقطاع الخدمات ووضع تحت تصرف أهل الثقة والتحقيقات جارية في هذا المشروع حاليا. إن تنمية المشروعات الصغيرة تساعد في حل الكثير من المشكلات ذات الأبعاد الاستراتيجية فهي تساهم في استخدام المدخرات ورؤوس الأموال الوطنية وتزيد الطلب علي الاستثمار الانتاجي وتساهم في التخفيف من حدة الفقر وتحقيق توزيع الثروة ورفع المستوي المعيشي لشرائح من المجتمع, كما يمكن أن تسرع من معدلات استصلاح الأراضي وتخصيص المزارع الصغيرة للشباب مما يقلل من معدلات الهجرة الداخلية وتساهم في التطور التكنولوجي نظرا لقدرتها علي تطوير وتحديث عمليات الانتاج وتحافظ علي الهوية المحلية في تنشيط الصناعات المرتبطة بالبيئة المحلية وتلعب دورا في تفعيل المشروعات الكبري( مشروع توشكي ومجمع أبو طرطور) وفي إعادة توطين مشروعات مثل المدينة الحرة ببورسعيد وتطوير مدينة دمياط وغيرها. ان فكرة تأسيس وزارة مستقلة تضع السياسات والإجراءات وتتابعها ويمثل نقطة البدء في النهوض بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة ولدي مصر مايمكنها من صنع معجزة خلال سنوات قليلة فالشباب أصحاب الأفكار والأراضي ومصادر الطاقة والأسواق متوافرة والبنوك لديها من السيولة مئات المليارات يمكن توظيف نسبة منها, كما يمكن الاستفادة من الصناديق ومؤسسات التمويل والتنمية الدولية مثل الصندوق العربي لتنمية المشروعات الصغيرة وصندوق الاستثمار لدعم تصدير المنتجات وبورصة النيل للمشروعات الصغيرة. وهناك الكثير من الدول التي سبقتنا في تخصيص وزارة مستقلة للمشروعات الصغيرة في مقدمتها تونس والجزائر والهند وسريلانكا والولايات المتحدة وكندا أضف إلي ذلك أن الأوضاع المتردية للمشروعات الصغيرة تبرر اللجوء إلي هذه الخطوة ويشير التاريخ إلي حالات تم فيها تأسيس وزارات تبعا للحاجة فتأسست وزارة منفصلة لشئون السد العالي بالتزامن مع وضع حجر الأساس في عهد الرئيس جمال عبد الناصر عايشت بناء المشروع وانتهت بإنتهاء أعماله ونفس الشئ حدث مع تأسيس وزارة لإدارة قطاع الأعمال والأمثلة كثيرة. ان اتخاذ قرار شجاع لتأسيس وزارة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في هذه اللحظة التاريخية سيسمح لمصر أن تضع هذه المشروعات في إطارها ومكانها الصحيح في التنمية ويساهم في إطلاق طاقات الشعب المصري وتطويرها وتحديثها, كما سيحد من هجرة المصريين للخارج أو تحولهم إلي موظفين لدي الحكومة.