والله الذي لا إله إلا هو لو صعد المنبر وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة بشخصه ولحمه لخطبة الجمعة في أحد أكبر مساجد القاهرة وأشهرها ما حضر وأنصت له لدقائق معدودات عشر العدد الذي كان يواظب علي حضور خطب- المرحوم بإذن الله- الشيخ عبدالحميد كشك, ويأتون للمسجد من كل حدب وصوب, ومن شتي المحافظات من قبلأن ينادي للصلاة بأكثر من ساعتين حتي يجدوا مكانا لجلوسهم!. الذي ذكرته ليس تقليلا من شأن د.مختار جمعة الذي نجله ونحترمه,ولا وصفا لفارس المنابر الشيخ كشك بما هو ليس فيه,أو إفراده دون غيره,ولكنه مثال للتدليل علي الحال الذي وصل إليه خطابنا الدعوي,ومدخل للوقوف علي أزمتنا مع منهجنا الفكري بصفة عامة,والديني بصفة خاصة. لقد أضحت خطبة الجمعة التي هي أحد أهم شعائر الإسلام وأعظمها, والجرعة الإيمانية التي يسير بها المسلم حتي الجمعة التي تليها,عبئا علي كثير من المصلين,بل تستطيع أن تقول دون مواربة أو مزايدة أنها باتت جرعة أسبوعية من الملل والسآمة والتنفير لجمهور المصلين الذين يأتون متهاونين ومتأخرين,ويغلبهم النعاس,وتنتقل فيما بينهم عدوي التثاؤب,وتسري في أوصالهم حالات الزهق والململة,في الدقائق التي لا يطيقون المكوث فيها لسماع وصلة من العذاب وربما لا يدخلون للمسجد إلا مع إقامة الصلاة بعد انتهاء الخطيب من خطبته المكررة والرتيبة,والبعيدة كل البعد عن كل ما يمس واقع حياتهم,رغم حرصهم علي طاعة الله والتزام أوامره واجتناب نواهيه,وتلبية النداء. كثير من الخطباء وأئمة المساجد يفتقدون- بكل أسف- للبوصلة التي توجههم نحو الاستفادة المثلي من خطبة الجمعة التي هيأبرز سمات قوة أمة محمد صلوات ربي وتسليماته عليه,ولا يدركونأنها فرصة نادرة للتأثير في المجتمع المسلم نحو كل ما فيه خير وسعادة وأمان وسلام إن أحسن الاستفادة منها,فإذا علم الخطيب أن الخطبة هي صناعته الرائجة وصياغته الذاتية,في مضمونها وشكلها وطريقة تبليغها,وإذا علم أن مهمته الأساسية هي التأثير في المخاطبين وإقناعهم, وان رسالته يجب أن تكون مناسبة للزمان والمكان وحال المتلقين وما يحيط بهم من ظروف وأجواء,لوصل الغاية المنشودة,وعرف دوره المنوط به وغاية المطلوب منه,وكان مؤثرا إيجابيا في المستمعين الذين تزداد قطعا نسبة تجاوبهم معه وتقوي علاقتهم به والمنبر. مرسل ومستقبل ورسالة,ثلاثة أركان ترتكز عليهم الخطبة,غير أن الأساس والأهمية الأكبر تكون للعنصر الأول,ويمكن تمثيل ذلك بالمثلث القائم الزاوية,ومن المسلم به أن الزاوية القائمة فيه تساوي مجموع الزاويتين الأخريين,بمعني أن المرسل الخطيب يتحمل بمفرده النصف,بينما المستقبل المستمع,والرسالة مضمون الخطبة مجموعهما معا يتساوي مع دور الخطيب ومهمته,فإذا أدرك جيدا أنه يملأ مكان رسولنا الكريم,ويقف علي منبره,وكان معدا لنفسه الإعداد الصحيح,وملك أدواته من فصاحة لسان,وقوة بيان,وثبات أقدام ورسوخ في العلم,وحسن إلقاء,وصياغة,وفهم لواقع الناس,وقبل كل ذلك إخلاص النية,لانشرحت له القلوب, وتفتحت العقول,واستجابت الجوارح,وتعلق المتلقي بالمنبر ومن يقف عليه وأنصت خير إنصات,وبالتالي تصل الرسالة علي أكمل وجه, وتؤتي ثمارها المرجوة. اليوم.. الكل يزيد ويعيد,ويتحدث عن ضرورة تجديد الخطاب الديني,الذي أتحفظ عليه كثيرا لأن الذي يتغير هو الفكر,وكل ما علينا هو سبل تطويره ليتواكب وإيقاع عصرنا ومتطلباته,فإذا وقفنا علي أسباب تراجع تأثير خطبة الجمعة خاصة والفكر الديني عامة وضعنا أيدينا علي أهم أسباب تراجع دور المنبر,وانتشار الأفكار الهدامةوعرفنا لماذالم يعد لدينا أساطين دعاة وعلماء دين وأئمة مساجد بحجم وقوة تأثير المشايخ الشعراوي والغزالي وكشك وعبدالله شحاته وأحمد فرحات وإبراهيم جلهوم, إسماعيل صادق العدوي وغيرهم من العلماء الأفذاذ.