صدر عن مكتبة الإسكندرية مؤخرا كتاب في طبعة أنيقة بعنوان الفلك في الإسكندرية القديمة جذوره وإنجازاته في القرن الثالث قبل الميلاد تأليف وتحرير د. مني حجاج وعدد من أعضاء فريق مشروع الإسكندرية البحثي بمكتبة الإسكندرية, وهو العمل الذي لم يحظ فقط بشرف إشراف ومراجعة استاذ الأجيال د. مصطفي العبادي, لكنه حظي به أيضا مؤلفا لأولي فصوله والبالغ عددها أربعة فصول, وإضافة إلي العملين السابقين فقد ازدان ذات العمل بتصدير قيم سطره مدير مكتبة الإسكندرية د. إسماعيل سراج الدين, وذلك في إطار حرص المكتبة علي تفعيل دورها الثقافي والتنويري في مختلف المجالات ولاسيما إحياء تراث الإسكندرية القديمة العلمي والثقافي والآثاري, ونظرا لطبيعة موضوع الكتاب فيصبح طبيعيا أن أجول سريعا بخيال القارئ الكريم محلقا بعالم التراث العلمي للمدينة قديما, وهو التراث الذي خلفه علماء لهم ما لهم من الشهرة كل في تخصصه بفضل المناخ والإمكانات التي وفرتها دولة البطالمة قديما لمكتبة الإسكندرية وجامعتها القديمة( الموسيون), فازدهرت مختلف علوم الطب والتشريح, وكذا علوم الرياضيات والهندسة, وكذا علوم الفلك التي أهتمت مؤلفة الكتاب وفريقها البحثي بتتبع بدايات المعرفة بها بالفصل الثاني منه حيث يتضح فيه الريادة المصرية في التعرف علي علوم الفلك تلك المعرفة التي بدأت منذ عصر الأسرات3300-2778 ق.م. ثم تطرق الحديث بعدها لطبيعة علم الفلك لدي كل من بابل وآشور ثم لدي الإغريق, وقد تناول الكتاب بالفصل الثالث منه حديثا مفصلا موثقا عن علماء الفلك الإغريق, حيث نجد معلومات وافية عن يودوكسوس من كنيدوس وعن هيراكليدس من بونتوس وعن آراتوس من سولي. أما الفصل الرابع فقد جاء مخصصا لدراسة علماء الفلك السكندريين ومن أبرزهم أرشميدس من سيراكوزة وأريستارخوس من ساموس وأريستييلوس وتيموخاريس من الإسكندرية وكونون من ساموس ودوسيثيوس من بيلوسيون وأبولونيوس من برجا. وواقع الأمر فالكتاب بما يحيط به من معلومات علمية يعتبر ثروة علي قدر كبير من الأهمية سواء لدي المهتمين بتاريخ المدينة وتراثها بشكل عام أم لدي المتخصصين الأكاديميين الباحثين دوما عن الحقائق التاريخية والجغرافية المتعلقة بالإسكندرية القديمة والكتاب يأتي في توقيته من وجهة نظري حيث يقف دليلا شاخصا أمام الأعين مؤكدا أن بالعلم تبقي الأمم, وبعيدا عن الأسباب السياسية التي ربما تكون قد دفعت بملوك الدولة البطالمة في عصر قوتهم لدعم منظومة للإنتاج العلمي والفكري متمثلة في مكتبة الإسكندرية وجامعتها القديمة فالنتيجة وكما نفهمها مما قدمه هذا الكتاب وغيره من الأعمال العلمية التي سبقته أن اهتمام دولة البطالمة باجتذاب العلماء للإسكندرية كان سببا من أسباب قوتهم وشهرتهم وعظمتهم حتي نهاية عصر بطلميوس الخامس علي أقصي تقدير. تلك القوة التي أخذت في الانهيار التدريجي بعد أن شغلتهم صراعاتهم الداخلية عن الاهتمام بأي إنجاز حقيقي ومن بينها الاهتمام بالعلم والعلماء. وهذه الصراعات الداخلية إلي جانب عيوب أخري كانت هي من فتحت الأبواب علي مصراعيها أمام التدخل الروماني في شئونهم لدرجة أن أصبح الرومان هم الأولي بإدارة شئون مصر بعد ما آل إليه البيت الحاكم البطلمي من ضعف عجل بزواله ولم يتبق منه سوي منجزات العلماء الذين سبق وأن أولاه ملوكه رعاية خاصة ومنها منجزات علماء الفلك. إنها حكمة التاريخ شاخصة أمامنا!! فهل نعتبر؟