بعد اقل من ثلاثة أسابيع(8 نوفمبر) ستجري الانتخابات الأمريكية, وفي اليوم نفسه غالبا سيعلم العالم من سيسكن البيت الأبيض. هذه أول انتخابات أمريكية من عدة وجوه: أول انتخابات بها كم غير مسبوق من التراشق اللفظي والهبوط في مستوي الحوار حيث وصف ترامب منافسته هيلاري بأنها الشيطان واتهمها بأنها شريرة تحمل في قلبها كما هائلا من الكراهية وفي مناظراتهما الثانية, هددها صراحة انه اذا كسب الانتخابات سيعين محققا خاصا وسيدخلها السجن( بسبب فضيحة بريدها الالكتروني). أيضا هي أول انتخابات يتم فيها تصعيد رجل أعمال ليس له اي تاريخ سابق في العمل السياسي الي مرشح لاحد الحزبين المهيمنين علي السياسة الأمريكية. هي أيضا أول انتخابات أمريكية يتم فيها اتهام دولة كبري( روسيا) بالتدخل والهجوم الالكتروني علي موقع احد المرشحين( هيلاري) ومحاولة التأثير علي نتيجة الانتخابات لصالح منافسها بل وصل الأمر برئيس سابق للمخابرات الأمريكية ان اتهم ترامب بأنه عميل روسي دون ان يدري. أخيرا هي أول انتخابات أمريكية يركب فيها احد المرشحين موجة الإسلاموفوبيا والعنصرية ويعد بمنع دخول المسلمين لامريكا وبناء جدار بين أمريكا والمكسيك ويطالب بمقابل لحمايته دول الخليج. لعل السؤال الجدير بالدراسة المستفيضة من المؤسسات السياسية وبنوك الفكر الأمريكية هو: كيف أمكن لترامب الوصول الي هذه المرحلة المتقدمة في السباق؟ وما دلالات ذلك؟لا شك ان لترامب مجموعة من المزايا الشخصية: ارتياحه التام امام الكاميرات, تدفقه في الحديث, قدرته الفائقة علي الجدال والمحاورة, خطابه الديماجوجي الذي يدغدغ المشاعر, ولكن هل يكفي هذا؟ هناك في رأيي ثلاث ملحوظات جديرة بالدراسة والتأمل: أولا: لم يتخل الناخب الأمريكي عن ترامب بسبب عدم دفعه ضرائب وتهربه من الإفصاح عن ملفه الضريبي( أشهرت شركاته الافلاس عدة مرات واستفاد من ثغرات ضريبية), ولم يتخل عنه الناخب بسبب خطابه الفظ المنفلت والذي يتسم بعنصرية واستعلاء واضحين, ولا بسبب النرجسية الواضحة في شخصيته, ولا بسبب مدحه بوتين ونظما ديكتاتورية اخري بلا تحفظ, ولا بسبب ان زوجته ظهرت عارية عدة مرات علي أغلفة وصفحات مجلات البورنو. فقط تخلي الناخب الامريكي عنه اخيرا وبوضوحبعد التسريب اللفظي الشهير( لحديث عمره عشر سنوات) والذي افتخر فيه بالتحرش الجنسي بالنساء. هل نفهم من هذا ان احدي اهم قيم المجتمع الامريكي المقدسة هو الاحترام الفائق للمرأة؟!. ثانيا: ركز ترامب في رسالته للشعب الامريكي علي حقيقه انه من خارج المؤسسة السياسية التي وصفها عدة مرات بالفشل والفساد, وزعم انه جاء للإصلاح وقدم بضعة أفكار مختلفة تماما عما هو متعارف عليه من الحزبين, وللحق فان صعوده ينبئنا بان كثيرا من الشعب الامريكي غاضب من المؤسسات السياسية, ولعل هذا امر ينبغي ان يتفهمه ويتداركه صناع السياسة الامريكية. أخيرا اتضح للجميع ان ترامب ابعد ما يكون عن صورة الفارس المنقذ القادم علي جواد ابيض, فتاريخه الشخصي مزدحم باخطاء وخطايا ومشاكل جوهرية. ثالثا: ركزت حملة ترامب علي مخاطبة الامريكي البسيط المحبط من البطالة حيث وعده ترامب بأنه سيقلل الضرائب وسيسترجع فرص العمل التي صدرتها الشركات الامريكية للبلاد رخيصة العمالة( مثل الصين). يبدو ان هذه الوعود صعبة التنفيذ ولا تصمد امام قليل من التمحيص, فعلي سبيل المثال كم سيكون ثمن التليفون الامريكي آي فون لو قررت شركة أبل نقل تصنيعه من الصين الي كاليفورنيا؟ وهل اغراء أبل بالتخفيض الضريبي يكفي؟ وهل سيمكن لسعر هذا التليفون المصنع بعمالة أمريكيه ان ينافس في الاسواق العالمية؟. والآن فلننتظر ونري.