أكد الدكتور عمرو عدلي نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون الدراسات العليا والبحث العلمي, أن أزمة البحث العلمي في مصر ترجع إلي عدة أسباب أهمها أن منظومة الصناعة لا تأخذ بالبحوث العلمية كما أن البحث العلمي لابد أن يكون عائده موجه لخدمة المواطنين واقتصاد الدولة, بالإضافة الي ضرورة نشر ثقافة البحث العلمي وأن تكون هناك قناعة بأن الانفاق علي الأبحاث العلمية هو استثمار في المستقبل. وقال الدكتور عمرو الذي يعد أحد أبرز الباحثين الذين حصدوا جوائز دولية ومحلية كما حصل مؤخرا علي لقب الخريج المميز من جامعة ميريلاند الأمريكية, أن التمويل ليس عائقا أمام تطور منظومة البحث العلمي بل أن الأزمة الحقيقية تكمن في عدم قدرتنا علي تحويل الأفكار إلي منتجات وشركات بسبب المعوقات القانونية. وفيما يلي نص الحوار: كيف تري الوضع الحالي للبحث العلمي في مصر؟ مصر دولة تمتلك قاعدة قوية من الباحثين علي أعلي مستوي وفي نفس الوقت هي دولة صناعية لكن المشكلة أنه لا مكان للبحث العلمي بين مكونات منظومة الصناعة واعتقد أنه لو أحسنا اختيار المواضيع التي يتم تمويلها والأشخاص اللذين يقومون بعمل أبحاث علمية سيعود ذلك بفائدة كبيرة للدولة. هناك كثيرون يرون أن المشكلة في التمويل وليس في المنظومة الإدارية والاختيارات فقط؟ من وجهة نظري التمويل ليس عائقا في تطور منظومة البحث العلمي في مصر لابد من أن نسال أنفسنا في المجتمعات الأكاديمية والمجتمع لماذا نعمل علي مشروعات بحثية وما العائد لو كان ما نفعله غير مجدي أو مفيد للدولة يبقي مالووش لزوم ومش لازم يحظي بأي اهتمام لا بد أن يكون عائد البحث العلمي موجه لخدمة رجل الشارع واقتصاد الدولة ولابد أن يكون هناك قناعة أن الصرف علي البحث العلمي استثمار في المستقبل وليس إنفاقا ما يتحطش في بند الانفاق أبدا ولابد أن نكون قادرين علي قياسة مخرجاته وإن نتأكد من البداية أن ما سنقوم به له مخرجات. مصر فيها مؤسسات تعليمية عريقة جدا ويجب ان نستثمر داه بشكل جيد.. هناك مصطلح اسمه الماركة الأصلية بعض الشركات عندما تشتري شركات عريقة وعملاقة بتعمد إلي الحفاظ علي الاسم القديم وبتستثمر عراقته.. عندنا في مصر جامعات عريقة زي القاهرة والإسكندرية وعين شمس.. بدل ما ننتقد كل حاجة فيها ياريت نبرز الحاجات الكويسة ونكبر عراقة الاسم اللي ممكن يجذب لنا معاملات وشراكات خارجية أو طلاب وافدين. لكن هناك من يقول أن البحث العلمي مطلوب لذاته وأنه يمكن تحويل الأبحاث العلمية التي لا ينتج عنها براءات اختراع إلي ثروة اقتصادية للبلد.. هل تتفق مع ذلك؟ لو الكلام عن بحوث ينتج عنها نشر دولي متميز ففعلا فهذا مفيد بطريقتين أولا لأنه يحسن سمعة الجامعة التي تضم الباحثين أصحاب البحوث المنشورة بما يساهم في جذب طلاب وافدين وجلب عملة صعبة لتحتاجها الدولة بشدة وهذا معناه أن النشر الدولي الذي لم يخرج منتجا استفادت منه الدولة بصورة غير مباشرة منه ونتج عنه دخل جيد للدولة.. الطلاب الوافدين احيانا يأتون بعائلاتهم بما يستتبع ذلك من مصروفات تفوق دخل السياحة إذا أحسنا الاستثمار فيها كما أن تلك الأبحاث لها علاقة مباشرة بتحسين ترتيب الجامعات المصرية وتصنيفها ولذلك تندرج تحت بند الأبحاث التي لها عائد علي اقتصاد الدولة والمجتمع. الشيء الآخر إن النشر الدولي المرموق يسهل علي الخريج الحصول علي فرصة عمل بتواجد جامعته بين الجامعات المرموقة بلاش نفكر بطريقة محلية لابد أن نفكر ازي مصر بعراقتها بتاريخ التعليم فيها ازاي نستحوذ علي أسواق العمل الإقليمية ويمكن العالمية لأن عندنا تعليم متميز في حاجات كثير. وماذا عن المردود المباشر للبحث العلمي؟ هناك طريقان للمردود المباشر للبحث العلمي لكننا نركز علي طريقة منهم ولا أتوقع ان يكون هناك عائد كبير من تلك الطريقة.. وهذه الطريقة تتلخص في التركيز علي الافكار الجديدة التي ينشأ عنها منتج وشركات لكن التاريخ يقول أننا غير مهيئين في الوقت الحالي لذلك ولا يجب أن تكون تلك الأفكار مبررا للتمويل الكبير في البحث العلمي ممكن تكون هناك حالات فردية ناجحة لكن عندي القوانين بتمنع الجامعات إنها تنشأ شركات أوتبقي شريكة في شركة أو يبقي لها أسهم في شركات. هل معني ذلك أن هناك معوقات تشريعية وإدارية تمنع الاستفادة من مخرجات البحث العلمي؟ نعم.. لكني أعلم أن هناك جهودا لتغيير هذا الوضع في الوزارة إنما في ظل ما نتكلم عنه ممكن يكون هناك طلبة متميزين جدا وبنساعدهم في إنشاء شركات لكن في النهاية هذه الشركات مملوكة لهم أو مملوكة للجهة التي مولتهم أو ساهمت في تمويلهم.. الجامعات العالمية الكبري بتدخل شريك لما بتساعد خريجيها مثلا تحصل علي نسبة20% وهذا من الصعب عمله في مصر الآن في ظل الوضع التشريعي الحالي. هناك طريق آخر لعوائد البحث العلمي أري أنه الأهم من الطريق السابق حيث أنه في ضوء اتفاقيات الشراكات التجارية وتقليل الجمارك وفي ظل أننا نمتلك قاعدة صناعية عريضة كبيرة لكن مافيهاش نسبة عالية من المكون البحوث والتطوير العلمي باختصار لا توجدبها إدارات بحوث وتطوير وبالتالي فإن معظم صناعتنا صناعات تجميع ولأن هذا النوع من الصناعات هوامشه الربحية ضعيفة جدا وهو وضع خطير جدا في ظل اتفاقيات تحرير التجارة لإن بيجيلنا منتجات متطورة من الخارج بأسعار مخفضة تضرب الصناعة المحلية التي تواجه أصلا منافسة شرسة وهو ما أصاب صناعات مصرية عتيدة أري ضرورة إنشاء إدارات بحوث في تلك الكتل الصناعية الكبري وأعود للتأكيد علي أنه لن يتم إنقاذ الصناعات العملاقة تلك إلا بالبحوث والتطوير. حضرتك بترجعنا لنفس النقطة اللي كلنا بنتكلم عنها عن أهمية الربط بين البحث العلمي وقطاعات الصناعة وأعتقد أنه كانت هناك كثير من المبادرات والأفكار منذ عقود لكنها لم تنجح في تحريك المياه الراكدة..ما الفرق بين ما تقوله وما هو مطروح بلاجدوي منذ زمن؟ معك حق لكن جزء من أسباب عدم الجدوي نحن كمجتمع أكاديمي وجزء منها الصناعة كثير من تلك المبادرات اتعملت في وقت كانت هناك مظلة حماية في التشريعات والقوانين للمنتج المحلي والصناعة المحلية وأصحاب المصانع لم يكونوا يستشعرون خطورة الوضع والمنافسة كما هو الحال الآن.. الآن في ظل تلك المنافسة العالمية وارتفاع التكلفة يشعرون جيدا بخطورة وضعهم وكثيرا من رجال الصناعات الكبري انتبهوا لذلك وتأكدوا أن تجنيب جزء من الربح للبحث العلمي والتطوير مهم جدا.. ولا أخفي عليك سرا إن هناك مصانع أوربية كبري كانت تجمع منتجها في مصر وأغلقت لأن المنتج الأوربي ارخص في ظل اتفاقية الشراكة. مصر تمتلك باحثين علي أعلي مستوي وانا أطلعت علي المنظومة بحكم عملي في اكثر من موقع رجال الصناعة يدركون أن هناك مشكلة وهناك منافسة شرسة, لكن هناك قصص نجاح كثيرة جدا لكنها قصص نجاح فردية وليست مؤسسية بسبب دراية مباشرة من بعض رجال الأعمال ببعض الخبراء من استعانوا بهم لتطوير منتجاتهم ووقعوا معهم تعاقدات مباشرة غير ممولة من الدولة بعشرات الملايين ومئات الملايين ونتج عن ذلك ارباح كبري لتلك القطاعات الصناعية.. وما يجب الأن فعله هو توجيه مبادرات من الدولة لتوفير تمويل للإنفاق علي تطوير بعض مشاكل الصناعة من خلال الباحثين المتميزين مع توثيق قصص النجاح ولابد ان يكون من بين الميزانيات المرصودة ولا نتكلم عن ميزانيات كبيرة تمويل لحل بعض المشاكل الملحة وزرع الثقة بين الصناعة والبحث العلمي وتوثيق ما حدث.. رجال الصناعة لو جيبتلهم قصص نجاح توريهم إن الجنيه للي بيصرفوه هيرجع اثنين الدولة مش هتحتاج تصرف علي البحث العلمي وهيبقي دورها ادارة منظومة تمويل او بتساعد فقط مطلوب الان من الدولة ان تبني الثقة ببعض برامج التمويل وتوثق قصص النجاح وتعلنها علي رجال الصناعة. وما المطلوب من الجامعات والمراكز البحثية؟ الجامعات والمراكز البحثية عندها قصص نجاح لكنها لا تعلنها وهذا خطأ يجب إصلاحه علي سبيل المثال عندنا في جامعة القاهرة وكلية الهندسة تعاقدات مباشرة مع جهات صناعية بثلاثين أو أربعين مليون جنيه في السنة لحل مشكلات صناعية للأسف لم نعلن عنه وهذا تقصير من الجامعات. لا بد من إننا نبين للمجتمع ولمتخذ القرار ان الانفاق علي البحث العلمي ممكن يقود إلي عوائد اقتصادية كبيرة ومفيد علي الدولة وعلي رجل الشارع.. تخيل لو نتيج منتج بامكانيات محلية بدلا من استيراده بالعملة الصعبة داه يوفر عملة صعبة وهيرفع قيمة العملة المحلية. هناك مئات الرسائل والأبحاث بلا جدوي علمية تخرج سنويا من الجامعات.. كيف تكون هناك ثقة من رجل الصناعة؟ أولا لا يمكن تقييم جامعة او مركز بحثي بمخرجات النشر الدولي فقط التقييم يكون بمدي تثيره في المجتمع المحيط كما قلنا عن الاستشارات والتعاقدات المباشر وليس المشروعات الممولة من الدولة يعني تعاملات مباشرة مع المجتمع.. ويمكن إن الجامعة المعهد بتعمل خدمة مجتمعية لا يمكن قياسها لو حسبنا عدد اللي بيتعالجوا في ابوالريش مثلا كام مش داه خدمة اجتماعية. لكن ما تتحدث عنه أحد عوامل إهمال البحث العلمي الحقيقي.. الجامعات والمراكز المجتمعية تهتم لآن أكثر بتقديم الخدمات المجتمعية علي حساب المنتج البحثي وما ضربته من مثال دليل علي ذلك لأن المستشفيات قدمت دورها العلاجي الخدمي علي دورها البحثي الذي أنشأت لأجله ألا توافقني في هذا الرأي؟ لا طبعا.. دا جزء من رسالة الكيان علشان كده انا قلت التعاقدات المباشرة هي المقياس الحقيقي للبحث العلمي. كيف نشجع الباحث علي أن ينتج بحثا علميا منتجا بعيدا عن استخدام تلك الأبحاث في الترقي الوظيفي؟ هرجع وأقول ان نطلب من عضو التدريس إن أبحاثه يجب أن تكون تطبيقية لخدمة الصناعة والجهات الصناعية وفي نفس الوقت منشورة نشر دولي أمر يصعب تحقيقه دائما لإن عندنا صناعة متأخرة عن الصناعة العالمية أربعين وخمسين سنة.. إذن لازم نبقي عارفين ان أحيانا أسرار الصناعة التي ينتج عنها نشر دولي بتكون أتحلت قبل كده إنما أحيانا نحتاج الي إعادة اختراع العجلة لإن عندما تحل مشكلة ما في مجال الصناعة لا تكشف كل الأوراق ويعلن فقط عن المفاتيح الرئيسية للحل ولو ظهرت المشكلة بعد فترة في مصنع آخر سنحتاج إلي باحث يحل المشكلة لأن المصنع الآخر لن يكشف أسراره وبالتالي فإن ما يقوم به الباحث لن يكون قابلا للنشر الدولي لإنها إما سر للمصنع أو لأنها منشورة قبل كده لكنها هتعمل طفرة اقتصادية وربحية للمصنع من خلال إعادة اختراع العجلة.. عندنا في مصر براءات اختراع كثيرة وعندنا كثير مما يجب إعادة اختراعه لتحقيق طفرة اقتصادية. من وجهة نظرك ما الأولويات التي نحتاج إليها لإصلاح منظومة البحث العلمي؟ أولا الاهتمام بالبرامج التي تعطي تمويل لحل مشكلات صناعية ويكون التمويل مش رايح للمؤسسة الصناعية يكون رايح لمؤسسات البحث العلمي لحل بعض مشكلات الصناعة مع توثيق اللي بيحصل سواء نجح أولم ينجح. ومعروف علي مستوي العالم كله أن البحث العلمي به نسبة مخاطرة ولو نجح مشروع بحثي من كل ثلاثة مشاريع فأن الربح يغطي علي خسائر المشروعين الآخرين. الشيء الآخر.. موضوع الأفكار التي ينتج عنها براءات اختراع ومنتجات.. كلام حلو لكن الأهم منه التفكير في الحاضنات العلمية التي تستخدم لتطوير منتج أو لتطوير بعض الآليات الصناعية وإنشاء أودية علوم في مصر يحتاج تخطيط جيد ومش هيتعمل بشكل صح غير بعد نحو عشر أو خمسة عشر سنة في برج العرب بيحاولوا لكن لابد قبل إنشاء أودية العلوم والاهتمام بها لابد من الاهتمام بالحضانات العلمية و معامل الجامعات بعضها يصلح لإنشاء حضانات علمية جامعة القاهرة فيها كم من المعامل التي تصلح لإنشاء الحضانات العلمية وفي كل كلية او اثنين معمل ويمكن الربط بينهم في منظومة كاملة. لكن ألا يوجد صدام تشريعي في هذه الجزئية؟ بالعكس الحضانات العلمية تعني أن نطور منتج جهة صناعية لا أن تكون الجمعة أو المركز البحثي شريك في الإنتاج صحيح هيكون فيه عائد نتيجة الاستثمار داه لكن مش هيبقي للجامعات نسبة محددة من الأرباح. نحتاج أيضا إلي برامج لتطوير الحاضانات لمدة سنة أو سنتين مع دراسة العائد من هذا الوضع ومتأكد ان رجال العمال لما يشوفوا عائد داه هيهتموا أكثر بتمويل منظومة البحث العلمي وإعادة بناء جسور الثقة بين الصناعة والبحث العلمي كما أن تغيير القانون أيضا مهم جدا بما يسمح للجامعات بامتلاك شركات كما هو الحال في دول العالم الكبري, كذلك هناك العوائد غير المباشرة للبحث العلمي يجب رصدها ويجب أن نعرف العلاقة في الأنفاق علي البحث العلمي في جامعة ما وتطور أعداد الوافدين أو الاستحواذ علي وظائف في أسواق خارجية إقليمية وتحويلات المصريين اللي من الخارج ديه كلها أمور ياريت نلاقي طريقة لترجمة تلك العوائد غير المباشرة وإحنا بنوزن الأنفاق علي البحث العلمي.