قدم جارودي في كتابه أمريكا طليعة الانحطاط الكثير من المعلومات التي تثبت قيام أمريكا بمحاولة السيطرة علي العالم, وكيف هددت فكرة القوميات الأمن الأمريكي, فسعت دوما إلي إشعال الصراعات بين القوميات المختلفة والقائمة علي أساس ديني أو إثني, ولكنه استعرض نشأة فكرة القوميات نفسها في السياسة الدولية, حيث يري أن فكرة القومية بالأساس كانت اختراعا أوروبيا بالأساس, وبدأت مع معاهدة وستفاليا عام1647, التي يعتبرها المعاهدة التي دقت أجراس موت المسيحية التي كانت توحد أوروبا حينئذ, وقامت بدلا منها قوميات علي أساس اقتصاد السوق الذي فرضته الثورة الصناعية, وكان من الضروري أن تحمي هذا الاقتصاد دولة وجيش قوي, مما استدعي قيام الوحدات القديمة مثل فرنسا حين أصدر ملك فرنسا تشارلز الخامس في نهاية القرن الرابع عشر أمرا ملكيا باعتبار كل الممتلكات في البلاد تعود للملك وحده وله الحق في تنظيم السوق ووضع جميع التجار والصناع تحت حمايته, وذلك للتغلب علي مصالح الاقطاع, وأصبحت عملية الوحدة القومية هي المهمة الأساسية للثورة الفرنسية, وقد عبر عن هذا الهدف الخطاب التأسيسي للافاييت في عيد الاتحاد14 يوليو1790 الذي تم القسم فيه علي الحفاظ علي وحدة الدستور وضمان وحدة فرنسا وسلامة الأشخاص والممتلكات والانتقال الحر للبضائع. وظلت فكرة القوميات تتبلور في أوروبا مع الوقت, وفي بداية القرن التاسع عشر بدأت الوحدة القومية الألمانية في الظهور بإنشاء وحدة جمركية زولفرين1833, وسبقتها في ذلك إيطاليا في عهد كافور. وقد تأكدت هذه الوحدات في القرن التاسع عشر الذي يعد العصر الذهبي للبرجوازية التجارية والصناعية التي حسمت صراع الامتيازات الإقطاعية وبدأت صراعا جديدا ضد المنافسين الخارجيين الأمر الذي دفعها للبحث عن تبرير ايديولوجي لهذا الصراع الجديد, فكان التبرير الديني هو الملاذ الآمن والسهل وادعت كل أمة بأنها الموكلة بحفظ التراث المسيحي والدفاع عنه, فرفعت فرنسا شعارات مثل أكمل الله عمله بالفرنسيين, ورفعت ألمانيا شعار الله معنا والذي كان ضمن نشيدها القومي, إلا أن تراجع النفوذ الديني في ظل سيطرة أخلاق السوق الحر أدي إلي فشل الترويج لهذا المبرر الذي سرعان ما تخلت عنه القوميات الأوروبية خاصة بعد معاناة الشعوب في العصور الوسطي من سيطرة رجال الدين علي الدولة, فكان البديل الطبيعي للتخلي عن فكرة أرض الميعاد التي كانت شعار الحروب الصليبية علي الشرق, واللجوء إلي فكرة الحدود الجغرافية والنظريات العرقية والتفوق العرقي والتاريخي, وبناء علي هذه النظريات بدأت عمليات الغزو الاستعماري للقارات الأخري, واعتبار أراضي ودول هذه القارات أرض صيد خاصة بهذه الدول الأوروبية, حيث تقاسم مندوبا إسبانيا والبرتغال حدود بلدان أمربكا اللاتينية/ بينما تقاسمت بقية الدول الأوروبية قارة أفريقيا بموجب معاهدة برلين.1885 وجري تقسيم هذه القارة وفقا لعلاقات القوة بين الدول الاستعمارية, وحرصوا علي تطبيق مبدأ من يمتلك الشاطئ يمتلك كل البلاد وراءه. وبعد الحرب العالمية الأولي تم تقسيم الدول التي كانت تابعة للامبراطورية العثمانية, وكذلك تم تقسيم حدود الدول العربية حسب أطماع دولتي الاستعمار المتنافستين وهما فرنسا وانجلترا, وذلك وفقا لاتفاقية سايكس بيكو.1917 وقد تضمنت هذه الاتفاقية غرس جذور الصراع بين الأمم المتحررة فيما بعد, وتم استخدامها فيما بعد لاستعداء القوميات ضد بعضها البعض, وكانت جامعة الدول العربية حلما بريطانيا بديلا عن الوحدة الإسلامية التي عملت علي تفتيتها هي الأخري بتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في الدول العربية, بينما تم دعم ايديولجيا القومية التركية تحت رعاية أوروبا للقضاء علي الامبراطورية العثمانية شكلا ومضمونا, ثم بدأت عملية إثارة الصراع بين العرب وإيران وتجهيز العراق عسكريا لمحاربة إيران, ثم العمل علي هدم العراق ذاته فيما بعد. وللحديث بقية.