تختلف احتفالات أهل النوبة بعيد الأضحي تحديدا عن أي مناسبات أخري في بلاد الذهب.. فالنوبة في هذه الأيام تستعد لاستقبال أبنائها المقيمين في الشمال الذين يحرصون كل الحرص علي قضاء أيام العيد الكبير مع الأهل والأحباب كل عام, من خلال ما يعرف بقطار العيد المخصص للنوبيين في القاهرةوالإسكندرية. وباستثناء عام واحد بعد ثورة يناير2011 لم تنقطع هذه العادة السنوية المتواصلة منذ عام1964, وهو العام الذي يحمل ذكري سيئة عند النوبيين بعد تهجيرهم من النوبة القديمة علي ضفاف النيل إلي مركز نصر النوبة حاليا, وجاء هذا الاستثناء بسبب تعمد سكك حديد مصر وقتها في عدم الموافقة علي تخصيص القطارات. وتشهد النوبة حاليا حالة من التأهب القصوي داخل كل بيت من خلال الاستعداد لاستقبال أهل الدار الغائبين, حيث بدأت السيدات في إعداد المخبوزات والمأكولات المعروفة في النوبة والتي كثيرا ما يشتاق لها أبناء العمومة, بالإضافة إلي التحضير للأفراح التي تقام في أيام العيد استغلالا لتواجد الآلاف من القادمين من الشمال. يقول حمادة عبد المجيد منسق تنظيم رحلتي قطاري القاهرة إن التجهيز لرحلة قطار النوبة في العيد يبدأ عقب عيد الفطر المبارك من خلال مخاطبة الجمعيات النوبية في القاهرة للحجز لهذه الرحلة السنوية, التي تلقي إقبالا كبيرا من الجميع, فالرحلة هي تجسيد لمعاني التواصل وصلة الرحم والعودة لذكريات الماضي الجميل, ويضيف قائلا: يتحرك من القاهرة قطاران وكذلك الأمر من الإسكندرية ولكن في مواعيد مختلفة حسب جدول السكة الحديد,فمثلا في القاهرة هناك رحلتان الأولي تنطلق في الرابعة ونصف عصرا للكنوز, والثانية في الثامنة مساء للفاديجكا لتصلا محطتي كلابشة وكوم أمبو صباح اليوم التالي قبل وقفة عرفات بيوم واحد. ويوجه عبد المجيد عتابا لهيئة السكة الحديد يتعلق بسوء حالة القطارين دائما,ويقول إن الشباب يتوجه إلي مخزن محطة القاهرة لحجز القطار وللأسف حالتهما في السنوات الماضية يرثي لها, فلا دورات مياه تليق بالآدمية ولا مياه شرب بالقطارات ونتمني تدارك هذا الأمر قبل أن تنطلق الرحلة. وينتقل ناصر مختار من قرية العلاقي بالحديث عن تاريخ هذه الرحلات قائلا بعد تهجير النوبة إلي مركز نصر هناك من انتقل للعمل والإقامة بالقاهرةوالإسكندرية وعدد من المحافظات الأخري, فنبعت الفكرة عند الآباء من منطلق الحرص علي التواصل والحفاظ علي الهوية والثقافة والتراث النوبي الذي يتجسد في تجمع الأحفاد مع الأجداد, حيث قاموا بمخاطبة الرئيس جمال عبد الناصر الذي قرر منح النوبيين هذا الامتياز تعويضا لهم عن التهجير, ويواصل الحديث كاشفا عن أن رحلات عيد الأضحي لم تنقطع إلا في موسم واحد بعد أن رفضت هيئة السكة الحديد تخصيص4 قطارات بسبب شكوي لأحد الاتحادات النوعية التي تعلم تماما أن أهل النوبة قد ضحوا بالغالي والنفيس من أجل مصر بعدما غرقت قراهم ال44 بعد بناء السد العالي. ويقول قدري إدريس من إبناء قرية قورتة أن النوبيين في حالة عشق واشتياق لبلاد الذهب والجلوس مع الآباء والأجداد في تواصل مستمر لصلة الرحم حيث نقضي إجازة عيد الأضحي بالكامل بين أحضان الأصالة, ويضيف قائلا إن كل قطار تشرف عليه لجنة من الشباب لتقديم كافة الخدمات للمسافرين, موضحا أن السكة الحديد كانت تدعم تذاكر السفر كنوع من المشاركة مع أهل النوبة,ولكن للأسف قامت الهيئة بإلغاء الدعم الذي كانت تقدمه بنحو66% من تكلفة التذكرة ليصبح سعر التذكرة70 جنيها للفرد بخلاف الدعم الذي تقدمه كل جمعية نوبية من مشروبات وزجاجات مياه,كما قلصت الهيئة عدد عربات كل قطار من16 إلي14 عربة تحمل كل منها56 راكبا بخلاف الأطفال, ويوضح أنه ورغم هذه المتاعب إلا أن تجمع النوبيين في حد ذاته والجلوس في أرضية القطارات لتناول الطعام والسمر معا وكذا لهفة لقاء الأهل ينسينا كل هذه المتاعب. ومن أهل النوبة في الشمال إلي النوبيين في مركز نصر النوبة, حيث يتحدث المهندس خليل الجبالي قائلا إننا جميعا كنوبيين وكما غني وشدا الراحل المبدع الفنان النوبي أحمد منيب مشتاقين ياناس وننتظر هذه الأيام بفارغ الصبر التي نتجمع فيها من كل قرية, فأيام العيد الكبير عندنا هي ملتقي نتبادل من خلاله الزيارات للتعبير عن أواصر المحبة بين القري, ويكفي أن تري مشهد محطتي كلابشة وكوم أمبو التي تزدحم بالمئات من النوبيين المنتظرين وصول أهاليهم وأقاربهم قبل وقفة عرفات وهم يغنون أوو أليري وهي تعني الترحيب والشوق بعد غياب, أما في يوم وقفة عرفات فيتجمع أهل كل قرية للإفطار سويا بعد صيام اليوم, ثم نتحرك ليلا في مجموعات لتبادل التهاني بقدوم العيد, وفي صباح أول أيام العيد نبدأ بالصلاة ثم ذبح الأضاحي وتستمر عملية التواصل الاجتماعي طوال أيام العيد بتلبيةالدعوات المختلفة, ويكشف الجبالي عن أن العائلات النوبية في مركز نصر النوبة تنتظر وصول قطارات العيد لكي تقيم حفلات زفاف شبابها في هذا التوقيت حتي يشارك الجميع في هذه المناسبات الجميلة التي تظل ذكري طيبة عالقة بالأذهان حتي تعود مرة أخري في العام التالي... فما أجمل النوبة في يوم العيد الكبير وهي تتزين بأبنائها وفتياتها بالجلباب والجرجار لاستقبال أولاد العمومة كل عام.