في المقال السابق عرضنا كيف تعتبر الولاياتالمتحدة أن الحركات القومية تهديدا مباشرا لمصالحها, وكيف تعمل جاهدة علي دعم الحكومات اللاديمقراطية في كل بقاع العالم إذا كانت تتعارض مع مصالحها الخاصة, وتسعي للتخلص منها عندما تشعر بأنها أصبحت عبئا عليها وتعمل علي تغييرها تحت مسمي الحفاظ علي الديمقراطية وحقوق الإنسان, واليوم نعرض لموقف أمريكا من القضية الفلسطينية من وجهة نظر روجيه جارودي كما قدمها في كتابه أمريكا طليعة الانحطاط والأمر بالضرورة يمر عبر الدعم الأمريكي الشامل والدائم لاسرائيل التي تعتبر الطفل المدلل والذراع الأهم لأمريكا في المنطقة, وقد راهنت أمريكا واسرائيل علي عنصر الزمن لتصفية هذه القضية لتحصل مع الوقت علي أجيال تتقبل التعايش مع الدولة الصهيونية والتطبيع الشامل والاندماج الكامل مع الكيان المحتل, والأمر لا يتوقف علي الشعب الفلسطيني فقط, بل امتد أيضا عبر استيراتيجية طويلة المدي للشعوب العربية كلها, فيقول جارودي فيما يخص تطورات السياسة الاستعمارية في فلسطين: تظهر أمريكا فيها إفلاسها يوما بعد يوم.. وكذلك فيما يسميه بعملية السلام هذا المصطلح العبثي إلا يمكن أن يكون هناك سلام بدون تطبيق قرارات الأممالمتحدة وبخاصة القرارات التي عالجت احتلال الضفة الغربية وبناء المستعمرات.. مؤكدا علي اتفاق كل من أمريكا واسرائيل علي تفتيت خطر أي عملية حقيقية للسلام. مشيرا إلي خطة شامير التي اقترحتها الحكومة الائتلافية لحزبي العمل والليكود عام1989, والتي يعتبر أن تسميتها بخطة شامير بيريز هي التسمية الحقيقية, والتي قامت علي مبدأ عدم اقامة دولة فلسطينية في قطاع غزة أو المنطقة الواقعة بين الأردن وإسرائيل, وعدم قيام إسرائيل بأي مفاوضات مع منظمة التحرير الفلسطينية بشكلها الثوري طالما لم تعترف المنظمة بدولة إسرائيل, وكذلك لن يكون هناك أي تغيير في وضع الضفة الغربيةوغزة بعيدا عن الخط الذي تحدده إسرائيل التي ترفض إعطاء الشعب الفلسطيني حق تقرير المصير, في حين انفقت اسرائيل وأمريكا بأنه لن يكون هناك دولة فلسطينية أخري, علي اعتبار أن هناك دولة فلسطينية بالفعل تتمثل في الأردن. وأن المباديء في الأساس تعود إلي اللاءات الأربعة التي أطلقها حزب العمل وتشمل لا عودة لما قبل1967, لا لوقف بناء المستوطنات, لا تفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية, لا دولة فلسطينية.. ومن هنا وضعت خطة لعمل انتخابات ديموقراطية تحت إشراف الاحتلال الإسرائيلي مع استبعاد منظمة التحرير الفلسطينية طالما ظلت متمسكة بمبادئها المعلنة ولم تعترف بدولة إسرائيل, وقد أذعنت المنظمة لهذه الشروط في التسعينيات وغيرت ميثاقها, وبعدها تمت الانتخابات التي فازت فيها حركة حماس بانتخابات حكم قطاع غزة, ومن هنا بدأ تصفية القضية الفلسطينية, واستمر المخطط بعد تفتيت حركات المقاومة الفلسطينية وانقسامها علي نفسها بعد أن اعتمدت أمريكا خطة شامير, الأمر الذي يعني عدم جدية الولاياتالمتحدة في أي حل حقيقي للقضية الفلسطينية, واستمرارها في دعم الكيان الإسرائيلي المحتل ضاربة عرض الحائط بكل أحلام الديمقراطية التي تسعي أمريكا لنشرها في العالم كله. وقد أكد جارودي أن السياسة الأمريكية في المنطقة العربية هي سياسة موجهة عن بعد عبر جهاز نحطك يتمثل في اللوبي الإسرائيلي داخل أمريكا, وهو اللوبي الذي وصفته النيويورك تايمز بأنه اللوبي الأكثر فاعلية.. والذي يتمتع بنفوذ هائل في السياسة الأمريكية في الشرق الأدني.. وكان يتمثل وقتها في45 سيناتورا علي الأقل و200 نائب من بين435 نائبا في الكونجرس الأمريكي, واليهود الأمريكيون الذين يمثلون2.6% من السكان, ومن بينهم ما يقرب من20% من المليونيرات المستعدين وقتها لدفع ثمن الآراء المؤيدة لإسرائيل, من خلال لجنة علاقات امريكية إسرائيلية رصدت في عام1987 حوالي7 مليارات دولار لهذا الغرض. .. وللحديث بقية