نعم، حقا، إن آفة حارتنا النسيان كما قال كاتبنا العظيم نجيب محفوظ، ولكنى تمنيت لو انه كان قد اضاف اليها آفة أخرى خطيرة، هى ترديد مصطلحات الغرب،كما «أنزلت» وكأنها نص مقدس،لا يجوز الاقتراب منه، فما بالك برفضه.. فقد ادهشنى مثلا، ان كتابا كبارا واسماء لامعة، تكاد تدفع بالدموع الى مآقينا، شفقة على امريكا، المظلومة، وتعاطفا معها، لأن اللوبى الصهيوني، يطبق، على رئتيها، واننا علينا ان نخرج المناديل ونكفكف دموع حزناً على القوة «العظمى جدا» والتى لا حول لها ولا قوة فى مواجهة اللوبى اللعين!! واذا ما تساءلت عن كل ما تغدقه واشنطن من سلاح ومال ودعم سياسى على اسرائيل ولماذا تضع الفيتو الرهيب، اى حق النقض، سدا منيعا، فى مواجهة أى قرار يتصل بالصراع الإسرائيلى العربي، لا يدين جرائم اسرائيل لا سمح الله،بل لمجرد توجيه لوم لما تفعله بضحاياها العرب وخاصة الفلسطينيين، يتهمونك «بالقومجية والشمولية ومعاداة السلام!؟» الى اخر القاموس المستحدث منذ القت القيادة السياسية فى السبعينيات، ب 99% من أوراق حل قضايانا فى يدِ أمريكا.. واذكر ابان غزو العراقالكويت،ان القى صدام حسين بصواريخ على اسرائيل تشبه تلك التى القتها عليها مؤخرا حركة حماس.. وكان رئيس الحكومة آنذاك الليكودى الارهابى اسحق شامير، الذى ألمح الى ان «عقيدة» الدولة الصهيونية، هى أن من يرشها بالماء ترشه بالدم.. وهنا أمره الرئيس الأمريكى جورج بوش الأب، الذى شكل تحالفا من الجيوش العربية، بقيادة امريكية، بألا يقدم على إلقاء ولو حجر، على العراق، حتى لا يُفسد له «الطبخة» وخشية ان تعصى القوات العربية أوامر حكامها اذا ما «ظهرت» اسرائيل فى الصورة!! وقلت لزملائى فى الاذاعة التى كنت اعمل بها فى باريس: هل صدقتم ان اسرائيل لا تستطيع التنفس إلا برضا امريكا؟.. ومن بين ما يردده الكثيرون منا، مقولة ان امريكا تكيل بمكيالين، وتتملكنى دهشة حقيقية وانا اتساءل، بأمارة إيه؟ متى وقفت واشنطن مع أى حق عربي؟. بل متى توقفت عن استغلال ثروات العرب وافقارهم وحصارهم داخل دائرة التخلف؟ ولا أحد ينسى موقفها من بناء السد العالي.. وعند غزو العراق وتمزيقه، بدستور امريكى فى 2003، ضرب بوش الابن، عرض الحائط، بمنظمة الأممالمتحدة وبمجلس الأمن الدولى وبالرأى العام العربى وحتى الدولي، وغزا دولة عضوة بالامم المتحدة، بدعوى امتلاكها اسلحة دمار شامل، وذلك بقرار امريكى منفرد.. فلا تحقيق ولا وجع دماغ.. ولا حتى اعتذار ولو بسيط عن «الخطأ غير المقصود!؟» الذى دمرت امريكا، على اساسه، بلدا عربيا، لم تنس له، انه سبق وتضامن مع اشقائه فى المواجهات مع اسرائيل.. وبنفس هذا المكيال الواحد، المعادى للعرب ولحلمهم فى النهوض والتقدم، يعلن الرئيس الأمريكى باراك اوباما، أن القدس الموحدة، هى العاصمة الأبدية للدولة اليهودية!!! وليس مسموحا للفلسطينيين ابداء أى اعتراض ولو من باب تناقض ذلك مع قرارات المنظمة الدولية التى تطالبنا واشنطن، بصرامة بالغة، باحترام قراراتها، احتراما شديدا، خاصة ما يتعلق منها بمنح اكثر من نصف مساحة فلسطين لبضعة ملايين من يهود العالم، وطرد المواطنين من ديارهم، بل اقتلاعهم من اراضيهم، واعتبار مقاومتهم، أو حتى مجرد سخطهم، عداء للسامية «السامية».. وحتى اذا ابتعدنا قليلا عن المأساة المستمرة التى نعيش فيها مع دولة اسرائيل، التى بتنا على قناعة بأنها، قولا وعملا، «ولاية امريكية» تنفذ سياسة ماما أمريكا، ووفقا لمصالحها فقط لا غير، وكلها تتناقض مع مصالحنا، فلا أظن أن أحدا يستطيع أن يضبط واشنطن، متلبسة، باحترام سيادة أى دولة فى العالم، سعت قيادتها الى الاستقلال والحرية، ودول أمريكا اللا تينية، مثال واضح وضوح الشمس، على ذلك.. فالولايات المتحدة تستخدم قوتها كاملة، ومختلف ادوات هذه القوة، لا سيما الأجهزة السرية، فى إجهاض أى حلم وطنى مشروع.. ونعيش هذه الأيام، كابوسا أمريكيا، حيث تنتظر واشنطن تشكيل «تحالف!؟» من الدول العربية، ضد تنظيم داعش الإرهابي، وليس لنا أن نسأل عن دور هذا التنظيم، فى تنفيذ مخطط «تفتيت الوطن العربى الى دُويلات عرقية وطائفية» الذى ورثته واشنطن، عن الامبراطورية البريطانية الغاربة، ونشطت فى إحيائه، بكل وسائلها المعروفة، خاصة فى السنوات الأخيرة.. وحتى يضحك معي، وان كان ضحكا كالبكاء، من يتهموننا بالتحامل على أمريكا «قلعة الديمقراطية» فى العالم، أحيلهم الى موقف واشنطن، الصلب، الناصع، فى الوقوف مع الحق، والذى وصفت فيه الخارجية الامريكية، مصادرة اسرائيل مساحات شاسعة من أراضى الضفة الغربيةالمحتلة، بأنه «غير مثمر!!؟».. وليدلنى أحد على نص فى القانون الدولي، يعتبر مصادرة دولة احتلال، أراضى الواقعين تحت احتلالها، بأنه، مجرد اجراء «غير مثمر». ولكنه حلقة صغيرة جدا فى مسلسل المكيال الامريكى الواحد، والمعيار الامريكى الذى لم يتغير، ولا أغامر إذا ما قلت: ولن يتغير.. إلا بأيدينا.. لمزيد من مقالات فريدة الشوباشى