يا طب يا هندسة خياران لا ثالث لهما يطرحهما ولي الأمر علي ابنه مع خوض أول مرحلة تعليمية لوضع هدف واضح أمامه يسعي للوصول إليه وينم وبداخله كلما اقترب من مرحلة الثانوية العامة أو تحديد المصير كما باتت تمثل داخل كل بيت, ليبقي حلم كلية القمة مسيطرا علي عقول أولياء الأمور ومعهم الأبناء الذين يسعون للوصول إليها أملا في مكانة اجتماعية يكتسبونها من مكانة الكلية نفسها وفقا لما هو متعارف بينهم, ليصبح هذا السيناريو هو الإلزامي والأصح من وجهة نظر الغالبية العظمي من الأسر التي لا ترضي بغير الثانوية العامة طريقا. ولكن هل هذا هو الطريق الوحيد نحو سوق العمل؟ ولماذا يلجأ إليه الطلاب وأولياء الأمور رغم أنه الأصعب ورغم وجود البديل الذي لا يحل محل الثانوية العامة فحسب ولكنه قادر علي منافستها؟ التعليم الفني وتخصصاته المختلفة التي يغفلها الكثيرون ويعاني الإهمال والتهميش بل والتقليل من قدر ومكانة دارسيه, إهمال من الدولة التي تكتفي بتسليط الضوء والاهتمام بمرحلة الثانوية العامة دون غيرها وتهميش داخل سوق العمل رغم تنوع التخصصات التي يتخرج منها طالب التعليم الفني وأخيرا مكانة اجتماعية تبدو متدنية بعض الشيء له أثناء الدراسة وبعد التخرج لمجرد أنه لم يسلك الطريق المعتاد, لتنتهي سنوات الدراسة والتطبيق داخل المدارس الفنية بمختلف تخصصاته الزراعي والصناعي والتجاري والفندقي بنظاميها الثلاث والخمس سنوات بخريج يبحث عن فرصة عمل, الأمر الذي يتطلب منه مجهودا مضاعفا ليس فقط لإيجاد تلك الفرصة بل أيضا لتخطي شروط بعض الأهالي الذين يرفضون عريس مؤهل متوسط. الأهرام المسائي ترصد معاناة من اختاروا التعليم الفني طريقا سواء عن رغبة واقتناع أو بحكم الظروف واختيار الأهل أو حتي للهروب من كابوس الثانوية العامة, وتكشف مصير مشروعات تطوير التعليم الفني التي تختفي داخل الأدراج ولا تري النور أبدا ولكنها قد تظهر من فترة لأخري مؤكدة وجود نية للتطوير والتمكين ولكن يبقي الحال علي ما هو عليه. مفيش عدل في البداية تحدث طارق أشرف الذي تخرج حديثا من سياحة وفنادق نظام ثلاث سنوات قائلا إن أكثر ما يعاني منه هو وغيره من طلاب التعليم الفني هو نظرة المجتمع الذي يقلل كثيرا من قيمة ومؤهل طالب التعليم الفني في مقابل تفضيل الثانوية العامة وطلابها. ويشير إلي أن أبرز المشكلات التي تواجهه هي صعوبة إيجاد فرصة عمل مناسبة وتفضيل أصحاب المؤهلات العليا علاوة علي أزمة شروط الزواج حيث يرفض البعض تزويج بناتهم من حاصل علي مؤهل متوسط مؤكدا أنه اختار المجال الفندقي بإرادته لأن مستقبله أفضل, لينهي حديثه بنبرة غاضبة من وضع طلاب التعليم الفني وخريجيه في مختلف المجالات قائلا كده مفيش عدل. أما حسام حنفي وهو ولي أمر طالبين في المرحلتين الابتدائية والإعدادية فلا مانع لديه من التحاق أبنائه بالتعليم الفني مؤكدا أن الاختيار يتوقف علي رغبتهم ومستواهم في الدراسة لأنه مستقبلهم ولا مجال له أو لغيره للتدخل فيه قائلا هما اللي هيدرسوا ويشتغلوا مش أنا. وينتقد النظرة المتدنية لطلاب التعليم الفني مؤكدا أنها خاطئة وقاصرة لا تهتم بالمستقبل نظرا لوجود مجالات عديدة مطلوبة في سوق العمل, ويري أن الأفضل للطالب أن يكون لديه صنعة يستطيع التكسب والعيش منها دون انتظار الوظيفة الحكومي. أما عن إمكانية قبوله تزويج ابنته من أحد خريجي التعليم الفني فيؤكد أن المعيار الأساسي عنده الأخلاق وليس المؤهل التعليمي. ومن حسام إلي ياسمين سعد الحاصلة علي دبلوم ثانوي فني زراعي والتي كانت ضمن أوائل دفعتها عام2011 ولكنها لم تلق الاهتمام الذي كانت تنتظره آنذاك مثلما حدث مع أوائل الثانوية العامة علي حد قولها, واستطردت حديثها عن بداية التحاقها بالتعليم الفني, حيث اختارت أحد الأقسام الجديدة الذي قالوا عنه إن هناك فرص عمل عديدة في انتظار خريجيه ولكنها في النهاية لم تحصل علي أي وظيفة مضيفة أنها لم تستطع الالتحاق بالجامعة بسبب الظروف المادية. وتوضح أن التعليم الفني ليس يسيرا علي الإطلاق كما يعتقد البعض بل يحتوي علي الكثير من المواد والمعلومات الصعبة لتأهيل الطلاب من أجل تنشيط سوق العمل خاصة في تلك المجالات التي يتخصصون فيها, مشيرة إلي أنها غير راضية عن نظرة البعض إلي طلاب التعليم الفني لأنها بذلت مجهودا كبيرا لتصبح من الأوائل. معاملة سيئة وهو نفس الأمر الذي أكدته أسماء سيد- حاصلة علي مؤهل فوق متوسط حيث أشارت إلي أن خريج التعليم الفني لا يحظي بالدعم المناسب بل يواجه العديد من المشكلات أثناء فترة الدراسة حيث يخضع لفترات تدريب وتأهيل طويلة من خلال تدريب عملي يوم في الأسبوع أثناء الدراسة وأسبوعين خلال الإجازة الصيفية بالإضافة إلي مشكلات ما بعد التخرج وأبرزها صعوبة الحصول علي فرصة عمل خاصة الفتيات اللاتي اخترن مجالات التعليم الفني, فقد يجد الشباب فرص عمل بعد التخرج في مقابل ندرة فرص العمل المتوافرة للفتيات حيث يري البعض حصول البنت علي الدبلوم والمكوث بالمنزل بعدها في انتظار العريس. وتشير إلي أن أصحاب المؤهل المتوسط يلقون معاملة سيئة من البعض عندما يتم التعرف علي مؤهلهم بل يستهين البعض بهم, في حين يرفض بعض الأهالي تزويج بناتهم وأولادهم من حاملي المؤهل المتوسط وكأنه يحمل وصمة عار خاصة إذا كان الطرف الآخر من أصحاب المؤهلات العليا, مشيرة إلي أن البعض يري أن صاحب المؤهل الأعلي هيتكبر علي التاني علي حد وصفها. أنا فني مظلوم وعلي جانب آخر دشن مجموعة كبيرة من طلاب وخريجي التعليم الفني صفحة ثورة طلاب الدبلومات الفنية علي فيسبوك مستخدمين هاشتاج أنا فني مظلوم لتوصيل أصواتهم إلي مسئولي التربية والتعليم ورئاسة الوزراء وكل مسئول يمكنه تبني مطالبهم وبحث مشاكلهم. ادينا بنعافر عشان نوصل لحلمنا كانت هذه العبارة لسان حال معظم الطلاب علي الصفحة اعتراضا علي الحال الذي وصل إليه التعليم الفني والمعاملة التي يلقاها بعضهم من الآخرين, مؤكدين أن البعض يرونهم مجموعة من الفاشلين الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بمرحلة الثانوية العامة رغم أن نسبة كبيرة منهم اختاروا هذا المجال بإرادتهم للابتعاد عن توتر الثانوية العامة علي حد وصفهم. وتحدث عدد من الطلاب عن حقوقهم المهدرة وعدم توفير فرص عمل لهم وكذلك كليات كافية لهم حيث إن أغلب المتاح لهم معاهد فقط مؤكدين أن التعليم الفني مظلوم رغم أنه المصدر الأساسي والأهم لإمداد سوق العمل بالعمالة المدربة. يري الخبير التربوي الدكتور حسني السيد أن عدم تنفيذ مشروعات تطوير التعليم الفني ناتج عن سوء الإدارة وعدم وجود استراتيجية محددة وأيضا ضعف الميزانية المخصصة لتطويره كما أنه مهان علي المستوي المجتمعي علي حد وصفه, مشيرا إلي شعور الطالب بضآلة الشهادة التي يحصل عليها وعدم جدواها. وعن دمج وزارة التعليم الفني مع وزارة التربية والتعليم بعد فترة من الفصل بينهما يوضح أنه كان من الأفضل أن تظل منفصلة بدلا من دمجها مع وزارة التعليم لضمان قدر أكبر من اهتمام الدولة ورجال الأعمال لأنه القاطرة التي تقوم عليها الصناعة, مؤكدا أن تحقيق ذلك يرتبط بتوافر الرؤية الواضحة والربط بين الدراسة وسوق العمل لأن الخريج لا يتلقي تدريبا جيدا أثناء الدراسة ولم يتم إعداده بالصورة الكافية نظريا وعمليا. وتوضح الدكتورة سهير سند- أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية- أن النظرة الدونية التي تلاحق طالب التعليم الفني تبدأ منذ المرحلة الإعدادية عندما يحصل أحد الطلاب علي درجات منخفضة مقارنة بزملائه فتبدأ خطة الأسرة في الترتيب لإلحاقه بالثانوية الفنية فيبدو الأمر وكأنه قسم مخصص لأصحاب المستوي المنخفض وليس من يرغب به وبالتالي يشعر المجتمع بأنهم مجموعة من الطلاب الفاشلين ليس إلا. وتؤكد أن تلك النظرة ستتغير عندما يحصل الطلاب علي التأهيل والتدريب المناسب إلي جانب وجود مواد ثقافية تدفع الطالب نحو مستوي أفضل ثقافيا وتعليميا ومجتمعيا من خلال تحقيق الكفاءة والشخصية المتكاملة وبالتالي يستطيع إثبات نفسه ويؤكد أن التحاقه بالثانوية الفنية لرغبته في تعلم مهارات التعليم الفني وليس بالمجموع. وتشير سند إلي وجود عدد من المدارس الفنية المتميزة ولكن الغالبية العظمي ليست بالمستوي المطلوب ولا تساعد علي تنمية مهارات الطلاب فيرفضهم سوق العمل بعد ذلك, وتوضح أن الدولة في أمس الحاجة للتعليم الفني خاصة التعليم الصناعي, مضيفة أن التعليم حاليا أصبح يكرس الوضع الطبقي ويدعم وجود فروق طبقية قائمة علي المستوي التعليمي. أما عن شروط الزواج التي تضعها بعض الأسر متضمنة شرط المؤهل التعليمي العالي منقول إن المسألة اختلفت قليلا الآن وبات المؤهل لا يمثل أي مشكلة بقدر أهمية الدخل المناسب حيث يرضي الكثيرون بأي مؤهل طالما كان العمل مناسبا والمستوي الاجتماعي متقاربا بعض الشيء. كول مع إيقاف التنفيذ وعن مشروع كول الذي يعد أحد مشروعات تطوير التعليم الفني التي لم يتم تنفيذها علي أرض الواقع تقول سند إنه كان مشروعا جيدا ولكن حاليا لا يلقي الاهتمام المطلوب داخل المدارس التي تم تطبيقه بها. الجدير بالذكر أن هذا المشروع عقدته مصر في أوائل التسعينات مع ألمانيا في عهد المستشار الألماني كول, حيث كان الغرض منه تدريس المواد الفنية والثقافية وإمداد الطلاب ببعض الدورات الأساسية من قبل وزارة التعليم ويتولي القطاع الخاص مهمة تدريبهم في أماكن الإنتاج بالإضافة إلي إمكانية توظيف المتميزين وفي حالة عدم وجود أماكن متاحة يتم ترشيح الخريج لوظيفة أخري. في حين بدأ الدكتور أحمد فرحات أستاذ بكلية الهندسة ورئيس قطاع التعليم العالي السابق حديثه مستنكرا وضع التعليم الفني قائلا: مفيش تعليم فني, مشيرا إلي أنه يعاني العديد من المشكلات بسبب وجود أكثر من وزارة معنية بمتابعة طلابه وخريجيه كالتعليم والتعليم العالي والصناعة والقوي العاملة دون تواصل أو تنسيق بينها, حيث تعمل كل وزارة بمفردها وكأنها في جزر منعزلة ولا يحدث تكامل فيما بينهم. ويضيف فرحات أن التعليم الفني أساسه المعامل والتدريب لذلك ينبغي حدوث تطوير تكنولوجي خاصة وأن للتعليم الفني تجارب فريدة حول العالم بل يعتبر سر تطور العديد من الدول مثل اليابانوألمانيا لذلك فهو منظومة كاملة تشمل الطالب والمدرس والإمكانيات تحتاج إلي الربط بين بعضها البعض وبين احتياجات العمل ويوضح أن الخطط متعددة ولكن الأهم أن تكون قابلة للتنفيذ مشيرا إلي أن منظومة التعليم الفني تحتاج إلي إعادة نظر حتي يمكن استغلاله لخدمة الدولة وإلا فلا قيمة له, لينهي حديثه قائلا التعليم الفني في أمس الحاجة للتطوير ولكنه يحتاج لكل مسئول ولاؤه للوطن وليس الكرسي حتي يعطيه ما يستحقه. التجربة الألمانية هي تجربة تستحق الدراسة وما يميزها أنها لا تقتصر علي التعليم النظري فقط ولكن تتضمن التدريب العملي بتوفير الورش اللازمة فيكون الطالب قادرا علي تنمية مهاراته بما يلائم سوق العمل. ما يقرب من80% من الشباب يلتحقون بالتعليم الفني, وأوضحت إحدي الدراسات أن المؤهل الجامعي لا يعد ضمانا للدخل المرتفع كما أن لكل ولاية الحق في تنظيم شئون التعليم الخاصة بها وتتولي الحكومة التنسيق فقط والأهم هو الحفاظ علي المكانة التي وصلت إليها الصناعة في ألمانيا ويكون ذلك بتوافق كافة أجهزة الدولة مما يساعد في تنمية الاقتصاد. مجلس التدريب الصناعي مجلس أعيد تشكيله من قبل وزير الصناعة والتجارة طارق قابيل لتوفير التدريب الفني للعمل في قطاعات متنوعة من خلال العديد من البرامج ومنها البرنامج القومي للتدريب من أجل التأهيل الذي يقدم منح تدريبية في مجالات مختلفة منها تكنولوجيا اللحام وتكنولوجيا تشغيل المعادن والصيانة الكهربائية وتشغيل برمجة الآلات ذات التحكم الرقمي ويعتمد التدريب من قبل جهات كثيرة منها قطاع التدريب بوزارة الإنتاج الحربي ومراكز التدريب التابعة لوزارة الصناعة والهيئة العربية للتصنيع. كما يضم المجلس البرنامج القومي للتدريب من أجل التشغيل والمعني بتلبية حاجات القطاعات الاقتصادية ويتيح البرنامج التوجيه الوظيفي والتدريب علي القواعد اللازمة للالتحاق بعمل يتطلب مهارات معينة وهناك أيضا البرنامج القومي للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة ويهدف إلي توفير فرص عمل للمرأة خاصة في المشروعات الصغيرة. يذكر أن المجلس قد أطلق عددا من ملتقيات التوظيف في محافظات مختلفة منها القاهرة والاسكندرية. دمج وانفصال تعود فكرة إنشاء وزارة للتعليم الفني كوزارة مستقلة ومنفصلة عن وزارة التعليم لرئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب في مارس2015 وكان وزير التعليم الفني آنذاك الدكتور محمد يوسف وذلك بعد أن كان رئيسا لقطاع التعليم الفني في عهد وزير التربية والتعليم محمود أبو النصر والذي أكد أن الأولوية ستكون لحل مشكلة البطالة لخريجي التعليم الفني وأنه يسعي لتطوير المناهج وأن الوزارة لها خطط قصيرة وطويلة المدي وسيتم إنشاء تخصصات جديدة تتناسب مع متطلبات سوق العمل وأن ارتفاع مستوي الخريج سيشعر به المجتمع خلال ثلاث سنوات. ولكن كل هذه الخطط والتصريحات التي تتعلق بمستقبل التعليم الفني ذهبت مع الريح بعد دمج وزارة التعليم الفني من جديد مع وزارة التربية والتعليم وإسنادها للدكتور الهلالي الشربيني الوزير الحالي في سبتمبر2015 ليعود التعليم الفني لنقطة البدية باحثا عن راع للتطوير ومنفذ لخطط وتصريحات التطوير.