يبدو أننا لم نتعلم من دروس الماضي وأننا نستعذب الدوران في فلك الأوهام مع أننا لو توقفنا أمام ما حدث في مواقف سابقة لكان نتاجنا أفضل, لكن ماذا نقول وقد تكرر الدرس ولم نستوعبه لإصرار عقولنا علي اتباع الفهلوة منهجا لحياتنا. الحكاية ليست في خسارة الملاكم حسام بكر لميدالية أوليمبية كانت قاب قوسين أو أدني منه إذ خدمته القرعة في الدوري الأولين, ففاز علي بطل موريشيوس وتبعه بتخطي بطل الكاميرون وكلاهما من القارة الإفريقية وسبق له اللعب معهما ليبلغ الدور ربع النهائي ويلعب أمام بطل المكسيك وفوز يضمن له برونزية علي الأقل, لأن الملاكمة تمنح المركزين الثالث والرابع ميدالية برونزية لكن التهليل بعد الفوز في دور الستة عشر علي الكاميروني وإطلاق العنان للأحلام لتحلق في فضاء الأوهام بأن الميدالية باتت في الجيب ونفاضل بين ألوانها, فكان أن خسر المباراة وودع البطولة. هذا الموقف أعادني إلي أوليمبياد أثينا2004, عندما كان الرهان المصري علي الرباعة نهلة رمضان التي لم تتحمل الضغوط النفسية الرهيبة التي فرضت عليها وكان أن خسرت ولم تحقق شيئا, ولولا لطف الله ما حقق الملاكمون المفاجأة وأحرزوا الميداليات فضية محمد علي رضا وبرونزيتي أحمد إسماعيل ومحمد الباز, إضافة إلي برونزية تامر صلاح لاعب التايكوندو وتوجها كرم جابر بالذهب, ولم تكن اللجنة تراهن عليهم, ثم جاءت دورة بكين2008 ولم تتعلم اللجنة من درس أثينا, وراهنت علي نهلة وكرم فخرجت مبكرا ونجح هشام مصباح في تحقيق المفاجأة بإحراز برونزية الجودو وبالمناسبة لم يكرم عليها حتي الآن, وجاءت دورة لندن ونجح علاء أبو القاسم في إحداث المفاجأة وكأن كل ميداليات لنا نتاج الصدفة بعيدا عما يعلن عنه من توقعات, ويا ليتهم لم يتوقعوا في دورة ريو دي جانيرو إذ تهاوي المرشحون تباعا من عزمي محيلبة بطل الرماية ورمضان درويش وإسلام الشهابي بطل الجودو وحسام بكر بطل الملاكمة والرباعة شيماء هريدي ومنتخب كرة اليد, فإذا بكل هؤلاء يقدمون أسوأ ما عندهم ويغادرون, فيما يحدث المفاجأة من كانوا خارج التوقعات مثل سارة سمير ومحمد إيهاب. غير أن السؤال الآن لماذا لم يتم إعداد الأبطال الإعداد النفسي اللازم قبل المنافسات؟ ولماذا نصر علي التعامل معهم علي أنهم ماكينات تلعب بالمشاعر تتأثر سلبا أو إيجابا بما يدور حولها من حوارات وتوقعات ووعود تشغل بال اللاعبين وتجعله يبني أحلاما عليها لكن سرعان ما تتحطم علي صخرة الواقع وتتحول إلي سراب.. إن دروس الماضي أحد أهم دوافع النجاح, فبدونها لا يحسن الإنسان تقييم مستواه. كان حريا بالاتحادات الرياضية أن تعد لاعبيها نفسيا وأن تتمهل في التصريح عن توقعاتها حتي لا تشتت ذهن اللاعبين, لاسيما وأن معظمهم يفتقد للخبرات إلي جانب غياب الثقافة الرياضية ليس فقط عن اللاعبين وإنما عند كثير من المسئولين سواء كانوا إداريين أم مدربين, فكل منهم يعمل بمعزل عن الآخرين, رغم أنهم مهمومون بهم واحد ألا وهو إعداد البطل الذي سيمثل اللعبة. وفي النهاية, ليس عيبا أن نخفق, فالرياضة مكسب وخسارة, حسبما تعلمنا لكن العيب كل العيب أن نقع في الخطأ ذاته عدة مرات رغم تعدد الدروس.