استضافت موريتانيا القمة العربية بعدما اعتذرت المغرب نأيا بنفسها عن الواقع العربي المؤلم أو تحت تأثير ضغوط خليجية لديها مصلحة في تمرير القمة دون مردود سلبي عليها, لكن لم يفوت المغرب تشريح الواقع العربي الذي استدعي هذا الرفض لتقبل موريتانيا استضافة القمة كنوع من تبييض الوجوه وتعبير عن وجود بعض من النبض في قلب العرب وهي جامعتهم. والواقع أن القمة الحالية كاشفة لأوضاع لا يرثي لها علي المستوي العربي فعلي مستوي الوحدات المكونة للنظام الإقليمي العربي نشهد تفاقما للصراعات داخل الدول, بما يهدد وحدة المجتمعات الداخلية ويعرض سلامة واستقرار وبقاء هذه الوحدات, لاسيما في ظل رهانات بعض القوي الإقليمية والدولية المتربصة بالمنطقة علي سيناريوهات التفكيك لخلق واقع وتحد جديد أمام النظام الإقليمي الذي يعاني بالأساس من فقدان القدرة علي الاتفاق والتوافق. أما علي مستوي العلاقات البينية فهناك تضارب واختلافات جوهرية فيما يتعلق بالقضايا المطروحة علي المستوي العربي ومن ثم اختلاف في المقاربات المطروحة للتعامل مع هذه القضايا, وفي ضوء غياب منظور واحد لقضايا الهم المشترك تبدو الهوية العربية ذاتها في مأزق, وتبدو الأولويات محل خلاف ونزاع, فمثلا تأخر الصراع العربي الإسرائيلي علي سلم الأولويات وتقدم الإرهاب كعنوان رئيسي مع غياب تصور موحد تجاه أي من القضيتين, وهكذا الأمر مع قضايا عدة كتصاعد العداء المذهبي والتدخل في شئون بعض الدول والموقف من بعض القوي الإقليمية كإيران وقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية والعدالة الاجتماعية, ودفع التعاون الاقتصادي, في مقابل هذه التحديات يظهر جليا عجز البنية المؤسسية الممثلة في الجامعة العربية أو غيرها من التنظيمات الإقليمية عن مجاراة هذا الواقع والتعامل مع قضاياه علي وقع الخلافات البينية بين الدول العربية. والحقيقة أن القمم العربية منذ العام2011 لم تطرح جديدا لمواجهة هذه التحديات المتصاعدة وسؤال الوجود المصيري الذي يواجه بعض الدول العربية ولفكرة الأمن القومي العربي ككل, وكأن الإشكالية الرئيسية تجاوزت صيغة وآلية صنع القرار العربي ووجودها من عدمه, لتصل إلي حقيقة الداء العضال وهو تآكل بنية العلاقات العربية العربية من الأساس, ناهيك عن الاختراق الذي مكن القوي الخارجية من التأثير علي مجمل التفاعلات في منطقتنا وبالطبع التأثير علي آليات عملها ذات الطابع الجماعي. ليس ثمة شك أنه قد تم اختبار قدرة الجامعة العربية علي التعامل مع التحولات التي طرأت علي العالم العربي مطلع العام2011 لاسيما في إطار البحث عن تسويات في الدول التي تعاني من أزمات تهدد الأمن الإقليمي كالأزمات في سوريا واليمن وليبيا..ولكن حجم التباينات بين الدول العربية بدا واضحا ومعوقا في الوقت نفسه لتفعيل آليات ناجزة خلال تلك المرحلة. الواقع يؤكد أننا بصدد مرحلة جديدة تتشكل فيها الجغرافيا السياسية للإقليم وطبيعة علاقاته ومكوناته, ففي حين تنهار دول وتتفكك تحت وقع الحرب الأهلية, وتعيش أخري في حالات من الضياع والانكسار, وتستجدي أخري البقاء عبر مناورات وحروب فاشلة, نجد جميع الحكومات قد غيرت وجهتها نحو إسرائيل حيث يحج إليها المسئولون من مشرق العالم العربي ومغربه ووسطه, ولا شك أن هذه التفاعلات الحالية تتنبأ بشرق أوسط جديد وأن العرب بواقعهم الحالي ليس لهم حظوظ كبيرة من ترتيباته, بل إن التغيير الذي سيطال أراضيهم وحدودهم وعقولهم ووعيهم وانتماءهم وهويتهم هو ما سيحدد طبيعة المنطقة بصراعاتها وتحالفاتها القادمة, وبينما يتضح هذا الواقع بكافة جوانبه لا نعقد أملا علي قمة الظن أن نتائجها لن تكون أفضل من سابقتها, وإلا لما تنازلت المغرب عن استضافتها.