حلت منذ أسابيع قليلة ذكري شهداء ثورة البراق فؤاء حجازي وعطا الزير ومحمد خليل جمجوم..تحديدا في17-19306 وكان هؤلاء من أوائل النخب الثقافية التي واجهت قوات الانتداب البريطاني ومخططات المندوب السامي هربرت صموئيل للتمكين للصهاينة, وقبيل أيام من إعدامهم, كتب فؤاد حجازي خطابا مفعما بالبطولة حذر فيه من الثقة بالأجانب وسياستهم مطالبا بالحفاظ علي الأرض وعدم بيعها للأعداء تحت أي مسمي. نستعيد هذا المعني في حوارنا مع د عبد الرحمن سعيد التميمي مدرس التاريخ الحديث والمعاصر والذي حصل علي رسالته للدكتوراه عن دور العراق الشعبي والرسمي في المواجهات العربية الإسرائيلية باعتبارها قضيتنا العربية والإسلامية المركزية. بداية.. ما الذي دفعك للحصول علي درجة الدكتوراه في هذا الموضوع والعراق يحدث فيه ما يحدث؟ ما ساقني إلي تناول موقف العراق من المواجهات العربية الإسرائيلية, هو إعادة التذكير ثقافيا للعراقيين بما قدمه العراق من دور في قضية فلسطين لأن كل ما يحدث للعراق في الحاضر له أسباب متعلقة بإسرائيل بجانب أمور أخري فمنذ أن دخل الاستخراب الغربي لبلادنا وزرع جسم الاحتلال الإسرائيلي في جسدنا العربي والعراق يجري فيه ما يجري... تاريخيا..حدثنا عن دور العراق في أحداث فلسطين؟ منذ أن بدأت جرائم الصهاينة بحق الأبرياء من أبناء فلسطين العربية, مرورا بتصريح بلفور عام1917 بإعطاء وطن قومي لليهود, والانتداب البريطاني علي فلسطين, وبعد حصول العراق علي الاستقلال ونشوء دولته الحديثة عام1921 وإعلان دستورها عام1925, ازداد اهتمام العراق بالقضية الفلسطينية, واستمر الاهتمام من خلال دفاعه وتأييده للفلسطينيين في ثورة البراق عام1929, مرورا بالثورة الفلسطينية الكبري عام1936, والتي كان للعراق500 متطوع فيها ضد الصهاينة دفاعا عن القدسوالفلسطينيين العرب الأبرياء وكان ذلك بقيادة فوزي القاوقجي الذي تزعم حركة المقاومة الفلسطينية ضد اليهود. رسالتك للدكتوراه عن المواجهات العربية الإسرائيلية لكنك تركز فيها علي مسألة المفاوضات..فلماذا؟ الصهاينة يعتمدون في تحقيق مكاسبهم وأهدافهم علي مفاوضات وهمية يعتبرها العرب حلا لقضيتهم مع إسرائيل ولكن في الحقيقة هي أبعد من الأخيرة, بل هم في الحقيقة يستخدمون كل الأسلحة, فرغم أن سلاحهم الأساسي هو العنف بلا هوادة في مواجهة المحيط العربي الرافض لهم, إلا أنهم استفادوا من السياسة البريطانية الخبيثة في ما يسمي بلجان التحقيق حيث تعود العراق والدول العربية علي سياسة بريطانيا الموالية للصهاينة التي كانت في ظاهرها تهدئة الفلسطينيينوالعراق والعرب بتشكيل لجانهم وتحقيقاتهم المزيفة وكل ذلك من أجل حماية الصهاينة والنيل من العرب ومن هذه اللجان لجنة بيل, والتحقيق الانجلو_ أمريكية, والتحقيق الدولية الخاصة بفلسطين, وكالعادة كل ذلك كان باتفاق بين الصهاينة وبريطانياوالولاياتالمتحدةالأمريكية, لكسب الموقف لهم ولتحقيق أهدافهم بالسيطرة الكاملة علي فلسطين ومصالحهم في المنطقة العربية واحتلالهم لأراضيهم, واستمر الحال علي توالي المؤامرات والأطماع والخطط علي العراق والدول العربية, إلي أن اكتملت وبانت خيوط مؤامراتهم وانحيازهم للصهاينة, وآنذاك أعلنوا قرار تقسيم فلسطين في29 نوفمبر1947, وما أبداه العراق والعرب من رفض قاطع ومطلق لهذا القرار المشئوم الذي اعتبر نقطة بداية الصراع المباشر بين العرب والصهاينة, ومنه انطلقت الجولات العربية الإسرائيلية بداية بحرب فلسطين1948 وإعلان دولة إسرائيل والتي حظيت بموافقة الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد إحدي عشرة دقيقة من إعلانها وبعدها بريطانيا والاتحاد السوفيتي وانهالت الاعترافات الدولية بعد ذلك الوقت, ومنذ ذلك الوقت بدأت أولي المواجهات العربية الإسرائيلية واستمر الصراع بين الطرفين. لماذا اعتبرت في رسالتك أن المواجهات العربية الإسرائيلية أهم الموضوعات في تاريخ العرب؟ أنا أعتبر المواجهات العربية الإسرائيلية بأنها القشة التي قصمت ظهر العرب, فهي موضوع في غاية من الأهمية ولابد للجميع أن يعي خطر إسرائيل علي الفلسطينيين والعرب وعلي العرب أن يكثفوا جهودهم من أجل القضاء علي هذه الجرثومة التي زرعت رغما عن أنوف العرب وبدعم متتال من قبل الدول العظمي, واعتبره درسا للعرب ليعترفوا بذنبهم الذي ارتكبوه مع أنفسهم دون استثناء, فموضوع المواجهات مهم جدا وما تشهده الساحة العربية اليوم هو نتيجة خسارة العرب في هذه المواجهات التي لو كسبها العرب لكان حالهم أحسن مما هم عليه اليوم, ومن جهة أخري يمكنني القول بأن عالم السطو علي حقوق الآخرين عالم تحكمه تلك القوي الباطلة المنحازة لإسرائيل التي وقفت مع الأخيرة وجعلتها تكسب المواجهات, أي عالم هذا وأي نفوذ عالمي أمريكي_ صهيوني, يرسمون مخططاتهم وينفذونها والعرب منشغلون بمعتركاتهم السياسية وهمهم علي مناصبهم فما حل بنا من مأساة كلها يتحملها السياسيون العرب سابقا وحاضرا لا غير. أراك تشدد علي الربط بين دور العراق من القضية الفلسطينية وما يشهده من كوارث؟ القضية الفلسطينية قضية العرب جميعا والعراق خاصة قضية مركزية للجميع, فاهتمام العراق بها جعله يدفع الثمن اليوم بزرعهم الطائفية والتشرذم العنصري والقتل علي الهوية في عراق اليوم, هذا الذي فعلوه كله من أجل إبعاد العراق عن فلسطين, وأؤكد لهم أن العراق رغم ظروفه الحالية ومعاركه الداخلية الشرسة مع داعش والإرهاب, وفلسطين في دم كل عراقي فهي عزيزة وتبقي بمعزتها لا تحركها مؤامراتهم وداعشهم. وكان العراق في مقدمة الصف العربي لمواجهة ما يحاك للأمة من مؤامرات وما يواجهها من أخطار, وشارك بفاعلية شديدة في المواجهات العربية الإسرائيلية في مراحلها المختلفة, وعلي الرغم من أنه لا يعد من دول المواجهة المباشرة مع العدو إلا أن دور العراق يظل بارزا وبدرجة ربما تفوق بعض دول المواجهة ذاتها, فعلي الصعيد الرسمي تواجد العراق بكل قوة في كل المواقف والأحداث سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا, وكان حريصا علي وحدة الأمة العربية من أجل تحرير فلسطين والأراضي العربية, بل وجعل من تلك الأهداف واجبا قوميا عربيا مقدسا لا يمكن التخلي عنه, وعلي الصعيد الشعبي فيمكن بوضوح شديد إدراك مدي الارتباط القومي والعربي الذي يكنه الشعب العراقي لأمته الغالية. ما الذي توصلت إليه من استنتاجات في شأن مسألة المفاوضات العربية الإسرائيلية؟ إسرائيل صعبة المراس لا ينفع معهم أي تفاوض ورحم الله الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر حين قال: ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة, فمد العرب لهم يد التصافح والمودة والسلام وحبذوا التفاوض معهم ولكن لا يريدون ذلك بل استنتجت من خلال موافقتهم علي التفاوض مع العرب مجرد تهميش للقضية العربية وكسب الوقت لإبطال الحق وإعلاء الباطل هذا ما رأيناه لوجه إسرائيل الحقيقي منذ بداية إعلان دولة إسرائيل15 مايو1948 م, وذلك بطلبهم هدنة بينهم وبين العرب, وكذلك هدنة رودس1949 م, وحاول الزعيم جمال عبد الناصر باختبارهم وعرض عليهم السلام حتي لا يترك حجة علي العرب جميعا بأنهم رافضون للتفاوض والسلام مع إسرائيل فمهد للسلام معهم بعد نكسة العرب5 حزيران يونيو1967 م, بمبادرة روجرز التي تملصت منها إسرائيل, وأيضا مفاوضات فض الاشتباك الأولي والثانية بين مصر وسوريا وإسرائيل1974_1975 م, وأكد السادات أن نية العرب حسنة تجاههم وهم أرغب بالسلام منهم ولا نترك لهم حجة بنظرتهم علي العرب بأنهم يتملصون من التفاوض وجها لوجه, هذا ورغم حرب السادس من أكتوبر1973 التي لقنت العدو درسا, إلا أن السادات طرح فكرة السلام وأجري تفاوضا معهم وفي عقر دارهم رغم معارضة العرب له, وكانت النتيجة اتفاقيتي كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية1978_1979 م, كل ذلك وإسرائيل تخوض التفاوض مع العرب بمخططات ومؤامرات الهدف منها إضعاف العرب فيما بينهم وإشعال الخلافات أكثر بينهم, وأرادت إسرائيل كسب المزيد من خلال التفاوض الوهمي مع العرب بعد كل المحطات التي تم ذكرها بل أرادت التفاوض في مدريد1991 م, مع العرب كل علي انفراد وحققت ما أرادت وكسبت من خلال ذلك التنازلات من كل دولة علي انفراد, وزرعت الشك وعدم الثقة بين الأشقاء العرب, بل حطمت ثاني أكبر قوة عربية( العراق) ودخلت مفاوضات في أوسلو بالنرويج مع أصحاب القضية المعنيين الفلسطينيين وحققوا عقد اتفاق الحكم الذاتي معهم, واتفاقية وادي عربة مع المملكة الأردنية, وظلت إسرائيل تأخذ التنازلات وتثبت دولتها والي أن أصبحت دولة معترفا بها من العالم كله, فأصبحنا نقول بأنه لا داعي لكل المفاوضات ولا داعي للقول بأن الأرض مقابل السلام فلا حصلنا لا ارض ولا سلام فإسرائيل كانت مدعومة في التفاوض مع العرب من الغرب ويمولونها بالخبراء والاستشارات إلي أن تيقنا بأنه لا داعي للتفاوض لأنه لا جدوي منها.