أنشئ صندوق النقد الدولي ليؤمن للدول التي تواجه صدمات علي صعيد سعر الصرف تمويلا يبطل تلك الصدمات, في ظل نظام سعر الصرف الثابت. حيث ربط نظام بريتون وودز الدولار بالذهب والعملات كلها بالدولار. وفور إغلاق الولاياتالمتحدة قابلية التحويل إلي الذهب في عام(1971), تداعي نظام بريتون وودز وبدأت العملات الرئيسية في العالم تعوم في مقابل بعضها بعضا. لكن الكيانات البيروقراطية الكبيرة لا تزول من الوجود لحظة انجاز مهمتها أو اختفاء المهمة. ولكن تلك الكيانات تخترع وظائف جديدة. وفي حالة الصندوق أصبح يقدم مراقبة صارمة لسياسات الدول الأعضاء لزيادة الشفافية في العالم المتقدم. لكن في حالة العالم النامي, أصبح الصندوق بمثابة شرطة مالية وراء تنفيذ ما يوصف بأنه( برامج التعديل الهيكلي): المعروفة أيضا باسم مرجعية توافق واشنطن. إن سياسات الصندوق بمساعدة وتحريض من البنك الدولي آلت الي تعويذة تتعلق( بالاستقرار والتخصيص والتحرير) وفق المدون في توافق واشنطن. وكانت النتيجة سلسلة سياسات من مقاس واحد يناسب الجميع طبقت من أذربيجان إلي زامبيا! وذلك بهدف تخفيض عجز المالية العامة إلي الحد الأدني, وتخفيض التضخم إلي الحد الأدني وتخفيض الرسوم الجمركية الي الحد الأدني, وزيادة التخصيص إلي الحد الأقصي, وزيادة تحرير التمويل الي الحد الأقصي. وذلك كله بما يعني التقشف التوسعي في المالية العامة. وكانت النتائج, إلي حد كبير رهيبة. والنجاحات قليلة ومتباعدة وخاضعة لانتكاسات متكررة. وبدلا من النمو بدا أن أزمات مالية كبيرة تولدت, وتفاقمت ازمة الديون. وقد أصبح النمو الاقتصادي هو أكثر عرضة للتراجع خلال تطبيق البرنامج. وبعد انتهائه. في حين يزيد التفاوت الاجتماعي. وأصبحت الإدارة العليا منذ انشائها خاضعة لسيطرة اشخاص ينحدرون من المصارف المركزية والخزانة العامة( مثال ذلك النائب الأول لرئيس البنك الدولي(2011), ووكيل محافظ البنك المركزي للسياسة النقدية(2016). وسوف تدخل نهاية القرن العشرين التاريخ العالمي باعتبارها فترة افقار عالمي اتسمت بانهيار النظم الإنتاجية وتصفية المؤسسات الوطنية, وتحلل البرامج الصحية والتعليمية. وارتفاع مستويات البطالة بين الشباب وبما يمثل مصدرا متزايدا للنزاع الاجتماعي والشقاق المدني, وتنامي التفاوت الطبقي. وأضحي هذا النظام يتغذي علي الفقر البشري والعمل الرخيص. وأسهم ارتفاع مستويات البطالة الوطنية إلي انكماش الأجور الحقيقية, وساد الفقر في الدول النامية. وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية(2012) إلي أن مليار من البشر, أي ما يقرب من ثلث قوة العمل العالمية في حالة بطالة. كما يشوه البنك الدولي وبرنامج الأممالمتحدة الإنمائي الأرقام عن الفقر العالمي من خلال وضع منهجية البنك الدولي لتعريف الفقر بأنه ما دون( دولار واحد يوميا). وهو تحديد تعسفي( لعتبة الفقر) عند دولار واحد للفرد. ثم ينطلق ليقرر ان السكان التي يبلغ دخلها( أعلي من دولار يوميا) ليست فقيرة. وتخفض تلك المنهجية في سهولة الفقر المسجل دون الحاجة الي جمع بيانات علي مستوي الدول. ويجري هذا التقييم الذاتي بغض النظر عن الظروف الفعلية علي مستوي الدول. وهو إجراء أحمق, لأن الشواهد تؤكد بجلاء أن السكان التي يبلغ دخلها للفرد حتي5 دولارات تظل فقيرة( أي عاجزة عن الوفاء بالطعام والملبس والملجأ والصحة والتعليم). إن فكرة التلاعب بالأرقام عن مستويات الفقر العالمي من البنك الدولي. والذي يبني علي( مؤشر الفقر البشري), إنما تخدم غرضا واحدا هو تصوير الفقراء علي انهم أقلية تمثل نحو20% من سكان العالم. بما يسبغ( وجها إنسانيا زائفا) علي النظام الاقتصادي العالمي.