كان النبي- صلي الله عليه وسلم- مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به- صلي الله عليه وسلم- فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنه مر علي رسول الله- صلي الله عليه وسلم- و أبي بكر- رضي الله عنه- وهما يبكيان, فقال: يا رسول الله, أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاء بكيت, وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما, فقال له:' أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء, لقد عرض علي عذابهم أدني من هذه الشجرة- شجرة قريبة من نبي الله- صلي الله عليه وسلم- رواه مسلم. انتهت غزوة بدر بانتصار الفئة القليلة المؤمنة من المسلمين علي الفئة الكثيرة المشركة من قريش وكان من نتائج هذه المعركة أن أسر المسلمون سبعين أسيرا من قريش, واستشار النبي صلي الله عليه وسلم- أصحابه كعادته فيما لم يأت به تشريع في كيفية التعامل مع هؤلاء الأسري هل بالقتل أم بالمن أم بالفداء, فكان رأي أبي بكر- رضي الله عنه- أخذ الفدية منهم ليتقوي المسلمون بهذه الأموال وأيضا يكون فداؤهم فرصة لهم لمراجعة أنفسهم لعلهم يهتدون بينما أشار عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- بقتلهم لتكون ضربة قوية لقريش, ومال النبي إلي رأي أبي بكر وأخذ الفدية منهم لكن الله تعالي عاتبه علي هذا الاختيار ومؤيدا لما قاله عمر ونزل قول الله تعالي' ما كان لنبي أن يكون له أسري حتي يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم, لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم, فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا واتقوا الله إن الله غفور رحيم'' الأنفال:67-69' وهنا بكي النبي- صلي الله عليه وسلم- لعتاب الله إياه بسبب قبوله الفداء من الأسري وكان الأولي بهؤلاء الأسري أن يقتلوا ليعلم الجميع ببأس المسلمين وقوتهم, فكان لابد من الإثخان في الأرض وهو الإكثار من القتل حتي إذا ذاع صيت المسلمين وخافهم كل مشرك عندئذ لهم أن يقبلوا الفداء, بل أن يمنوا علي من شاءوا ولما كان من الغد جاء عمر- رضي الله عنه- فإذا رسول- صلي الله عليه وسلم- وأبو بكر قاعدين يبكيان, فقال يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت, وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال النبي- صلي الله عليه وسلم- أبكي من أجل الذي عرضه علي أصحابك من قبول الفداء من الأسري والمقصود أبو بكر- رضي الله عنه- ومن وافقه في الرأي ثم قال- صلي الله عليه وسلم- ولقد رأيت ما كان سيحل بهم من العذاب الذي كان قريب الوقوع بهم قرب هذه الشجرة لولا كتاب من الله سبق إثباته في اللوح المحفوظ أنه لا يعذب قوما علي فعل حتي يبين لهم حكمه, ثم أذن الله لهم بقبول الفداء وقد جعل الإسلام للحاكم فعل الأصلح فيما يخص الأسري فهو مخير بين ثلاثة أمور إما القتل أو المن أو الفداء.