الأنباء المتواترة حول بدء عملية تفاوض مع جماعة "الإخوان" التى أطلقوا عليها إرهابية شكلت صدمة للكثيرين. كما مثلت تحولا ليس له ما يبرره بنسبة 180 درجة إزاء تلك الجماعة المتهمة مع قياداتها بإراقة دماء المصريين وبالتفجيرات التى روعت المدن المصرية وبحالة عدم الاستقرار التى شهدناها شهورا طويلة. كما مثلت فكرة التفاوض مع جماعة خرج من عباءتها جماعات العنف المسلح والتى شكلت الجماعة الإسلامية والجهاد. وتتهم بعلاقات واسعة مع تنظيم "داعش" الذى يعيث فسادا فى سورياوالعراق والذى يعمل وفق أجندة خارجية لا يعنيه فكرة الوطن وإنما يعنيه نشر حالة من الفزع من خلال قطع الرؤوس وإسالة الدماء كما فعلت جماعة حسن الصباح منذ عدة قرون فى تلك المنطقة. لقد بدأت فكرة التفاوض من خلال رافدين أساسيين يمثلان أطرافا فى الدولة وبالتالى لا يمكن اعتبارهما اجتهادا شخصيا لأن تقاليد الدولة المصرية لا تسمح بهذا الهامش لاى أفراد مهما كانت أهميتهم. الرافد الأول: من خلال قيام د. أسامة الأزهرى مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية والأستاذ بجامعة الأزهر بإلقاء محاضرات على سجناء "العقرب" ورفض الأزهرى فى حوار "اليوم السابع" اعتبار هذه المحاضرات جزءا من عملية مراجعة فقهية لنزلاء السجون وبخاصة من شباب الإسلاميين والمتعاطفين معهم، وقالت "الشروق" فى 14 يونيو 2016 إن سجن العقرب هو سجن شديد الحراسة للإسلاميين من جماعة الإخوان وحلفائها والسجناء على ذمة قضايا الانضمام لتنظيم "داعش". جدير بالذكر أن الأزهرى قال بنفسه فى أكتوبر 2015 "إن الإخوان أشد خطورة على الإسلام من الخوارج". الرافد الثاني: جاء من خلال مجدى العجاتى وزير الشئون القانونية ومجلس النواب الذى طرح فكرة التصالح مع عناصر جماعة الإخوان من لم تتلوث أيديهم بالدماء ولم تنسب لهم أعمال إجرامية "11 يونيو 2016". ماذا كان رد فعل جماعة الإخوان. رد الفعل جاء من المتحدث الإعلامى باسم جماعة الإخوان طلعت فهمى الذى قال: إن النظام يعرض مصالحة وهمية وأن استمرار الثورة هو الضامن لعودة الحقوق. طرح فكرة المصالحة من جانب أطراف فى الدولة المصرية يرسل عدة رسائل: أولها: أنه لا يمكن التلاعب باتجاهات الشعوب بهذا الشكل الساذج. لقد شنت الدولة المصرية حربا شعواء ضد هذا التنظيم ووقف بجانبه ملايين من المصريين الذين خرجوا فى 30 يونيو بهدف استرداد "الوطن" الذى كاد أن يضيع ويتمزق مثل العراقوسوريا إذا خضع لسيطرة جماعات إسلامية مثل "الإخوان". ثانيها: أن إرادة الشعوب أقوى من إرادة المؤسسات. لن ينصاع الناس بهذه السهولة لرغبة البعض فى الجلوس الى مائدة التفاوض مع فصيل دينى يبغى فرض إرادته على الجميع من خلال تنظيم مواز لفكرة الدولة له تمويله وانتماءاته وامتداداته الدولية العابرة للقوميات. ثالثها: تبدو الدولة مترددة فى حسم خيارات الدولة المدنية الحديثة التى توفر ضمانات المواطنة للجميع من خلال القانون وليس من خلال الانصياع لفصيل يرغب فى الحكم بقواعد وآليات مر عليها 1400 عام. لقد تطور العالم وعبر من الحداثة إلى ما بعد الحداثة التى تركها لكى يدخل عصر "الثقافة الالكترونية". رابعها: استخدام إعلام التعبئة الذى حدث قبل 30 يونيو انتهى زمنه. نحن فى عصر الإعلام الالكترونى البديل الذى يقدم آفاقا أوسع للتعبير. لقد انتهى عصر "التعبير الورقى". التعبير الالكترونى أصبح أكثر سرعة وإلهاما وتأثيرا والدولة ما زالت متخلفة فى هذا المجال. العواجيز يلهثون من أجل محاولة فهم ما يحدث. فكرة المصالحة على وجاهتها من الناحية النظرية هى "لعب بالنار" فى ملف الجماعات الدينية وكان ينبغى أن تذهب إلى فكرة "المصالحة مع الشعب" فهذا هو الأجدى.