كان النبي, صلي الله عليه وسلم, مرهف الحس فياض العاطفة رقيق الشعور عظيم الرحمة وقد حفظت لنا كتب السير والسنن مواقف مختلفة مرت به, صلي الله عليه وسلم, فاهتزت لها مشاعره وتأثر بها وجدانه فيحزن قلبه وتدمع عيناه ويبكي. عن أنس, رضي الله عنه, قال: شهدنا بنت رسول الله, صلي الله عليه وسلم, ورسول الله, صلي الله عليه وسلم, جالس علي القبر فرأيت عينيه تدمعان, فقال: هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا, قال: فانزل في قبرها, فنزل في قبرها فقبرها رواه البخاري السيدة أم كلثوم, رضي الله عنها, هي الابنة الثالثة لرسول الله, صلي الله عليه وسلم, بعد زينب ورقية, رضي الله عنهما, ولدت قبل البعثة النبوية بست سنوات وأمها خديجة بنت خويلد, رضي الله عنها, تزوجها عتيبة بن أبي لهب بن عبد المطلب قبل النبوة فلما بعث رسول الله, وأنزل الله:{ تبت يدا أبي لهب}, المسد:1], قال له أبوه أبو لهب: رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق ابنته, ففارقها ولم يكن دخل بها وأسلمت أم كلثوم حين أسلمت أمها, وبايعت رسول الله مع أخواتها حين بايعه النساء, وهاجرت إلي المدينة حين هاجر رسول الله فتزوجها عثمان بن عفان بعد موت أختها رقية في ربيع الأول سنة ثلاث من الهجرة وكانت بكرا وظلت أم كلثوم مع عثمان إلي أن داهمها المرض وتوفيت وذلك في شعبان من السنة التاسعة من الهجرة دون أن تنجب وهي بنت النبي المقصودة في الحديث علي الصحيح وحزن النبي لوفاتها وصلي عليها بنفسه وجلس علي طرف قبرها وهنا بكي النبي, صلي الله عليه وسلم, مودعا إياها بدموعه ثم سأل أصحابه قائلا هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة؟ وظاهر الحديث يدل علي أن المراد بالمقارفة ههنا: الجماع بدليل رواية الإمام أحمد وفيها: لا يدخل القبر رجل قارف الليلة أهله فقال أبو طلحة الأنصاري: أنا فنزل في قبرها فقبرها والحكمة من ذلك أن البعيد عن الجماع أبعد عن أن يذكره الشيطان بما كان منه تلك الليلة, وأبعد عن ملاذ الدنيا التي لا تناسب حال الدفن والقبر واتفق أهل العلم علي أن الرجل أحق بتولي الدفن من المرأة مطلقا حتي وإن كان الميت امرأة وأن الزوج أحق الرجال بدفن زوجته واستشكلوا في هذا الحديث وجه تقديم أبي طلحة, وهو أجنبي عن المتوفاة, علي عثمان زوج أم كلثوم, رضي الله عنها, فقالوا في الإجابة عن هذا الإشكال: يحتمل أن عثمان لفرط الحزن والأسف لم يثق من نفسه بإحكام الدفن فأذن, أو أنه, صلي الله عليه وسلم, رأي عليه آثار العجز عن ذلك, فقدم أبا طلحة من غير إذنه, وخصه لكونه لم يقارف تلك الليلة وقيل إن عثمان كان قد جامع بعض جواريه في تلك الليلة; فتلطف, صلي الله عليه وسلم, في منعه في النزول قبر زوجته بغير تصريح واستدلوا بهذا الحديث علي أنه إذا استوي الرجال الأجانب في الصفات التي تقدمهم لدفن الميت وهي السن والصلاح والفقه يقدم الذي بعد عهده بالجماع.