قبل حوالي عام من الآن ظهرت الملامح الأولي للمبادرة الفرنسية لحل القضية,إثر توقف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية,في أبريل2014, والتي كانت قد تعثرت بسبب رفض إسرائيل وقف الاستيطان,وقبول حدود1967 كأساس للمفاوضات,والإفراج عن معتقلين قدماء في سجونها. وفي ظل غياب تحرك سياسي دولي,كان وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس,قد أعلن أن بلاده ستتبني مبادرة لعقد مؤتمر دولي,لاستئناف مفاوضات السلام,علي أن يهدف المؤتمر لحل قائم علي أساس دولتين,وأن يشارك فيه إلي جانب الطرفين المعنيين,كل من فرنسا وحلفائها الأمريكيين,والعرب,والأوروبيين. وحذر في الوقت نفسه من أنه في حال عرقلة بدء المفاوضات فإنه من الممكن لباريس الاعتراف بدولة فلسطين. هذه المبادرة التي تنشط التحركات بشأنها في الوقت الحالي,جاءت مضامينها الرئيسية كالتالي: العودة إلي حدود عام1967 بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية,وأن تكون القدس عاصمة للدولتين..تحديد مدة عامين حدا أقصي أمام المفاوضات للتوصل إلي اتفاق نهائي..مواكبة دولية لعملية السلام,مع ترك المفاوضات للإسرائيليين والفلسطينيين..المبادرة ليست لصنع السلام ولكن دفع هذه الأطراف نفسها لتصنع السلام..رعاية المفاوضات من قبل مجموعة دعم دولية تضم دولا عربية والاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي. لم تلق المبادرة أي ترحيب في إسرائيل التي أعلنت علي لسان رئيس الوزراء نتنياهو أن الاعتراض علي المبادرة ليس علي محتواها,وإنما علي رفض أي محاولات لفرض إملاءات دولية علي إسرائيل. وأن المقترحات الدولية المطروحة لا تلبي احتياجات إسرائيل الأمنية,وان الحل الوحيد هو المفاوضات المباشرة دون إملاءات من أي أحد. ويبدو ان دوافع الرفض الإسرائيلي السريع تعود إلي أنه ليس في أجندة نتانياهو وحكومته أولوية للتوصل إلي اتفاق مع السلطة الفلسطينية حول قضايا الوضع النهائي,وإنما الأولوية هي لاستغلال ظروف الفوضي في الدول العربية,من أجل تحقيق الحلم الإسرائيلي باستكمال عملية تهويد القدسالمحتلة لتكون عاصمة موحدة للدولة اليهودية عبر فرض الأمر الواقع,مع الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية الأمر الذي سيترتب عليه تغيرات كبيرة في تبادل الأراضي. فيما كان الموقف الفلسطيني الذي عبر عنه الرئيس محمود عباس, هو الترحيب ب بالمبادرة باعتبار أنها سوف توفر مجموعة دعم دولية,وتخلق آلية فعالة ومتعددة,للعمل علي تنفيذ حل الدولتين,مع التأكيد علي أن الحل المستهدف ينبغي أن يكون وفق قرارات الشرعية الدولية,ومبادرة السلام العربية. بعض الأصوات الفلسطينية عبرت عن مخاوف عديدة, باعتبار أن المبادرة تهدف الي تسوية نهائية,وليست اتفاقا مؤقتا, الأمر الذي قد يعني تجاوز بعض المطالب الفلسطينية التاريخية,التي أقرتها الأممالمتحدة,وباقي المنظمات الدولية,حيث يجري الحديث عن تبادل مناطق بمساحات متفق عليها,مع الاستجابة للاحتياجات الأمنية الإسرائيلية,سوف ينتج عنه أن تبادل الأراضي لا يتوقف علي المستوطنات اليهودية,وإنما سوف يشمل المدن والقري والتجمعات الفلسطينية داخل حدود1948, بما يتوافق مع الرغبة الإسرائيلية بضرورة الاعتراف بالطابع اليهودي لدولة إسرائيل. وبالنسبة لقضية اللاجئين فقد تضمنت المبادرة الإشارة الي إيجاد حل عادل ومتوازن وواقعي لقضية اللاجئين الفلسطينيين,والإشارة هنا الي لفظة الواقعي تثير المخاوف من ان الأمر سينتهي بحق العودة الي مجرد تعويضات مالية. ورغم أن المبادرة الفرنسية التي من المفترض أن تقدم في صورة قرار إلي مجلس الأمن في نهاية العام الحالي,تبدو من الوهلة الأولي فرصة لتجاوز حالة الجمود والتراجع غير المسبوق التي تمر بها القضية الفلسطينية, إلا أنها لا يمكن أيضا أن تتجاوز موازين القوي علي الأرض, ولا يمكنها إلا أن تترجم واقع الحال العربي المتردي, وهو السبب ذاته الذي قد يخلق مجالا للحل, باعتبار أن أي محاولة لتجاوز حالة الفوضي والاضطرابات الحالية,لن يكتب لها النجاح ما لم يكن هناك حل عملي قابل للتطبيق لحصول الشعب الفلسطيني علي الحد الأدني من حقوقه الوطنية والإنسانية..وبالتالي تبقي المعضلة قائمة.