أمريكا تدس أنفها المسموم, في قضايا عادلة, إنها تبحث لنفسها عن موضع قدم في ثورة الحرية في العالم العربي, تتحدث بلسان ناعم عن حقوق الإنسان, ولا تتحدث أبدا عن دوافعها الحقيقية, وهي تمارس الموجة الجديدة من بسط النفوذ والسيطرة علي العالم العربي. طبعا, هناك صراع مصالح بين أمريكا وكل من روسيا والصين وفرنسا, علي منطقتنا العربية. ولهذا فإن هذه القوي الثلاث لن تمنح أمريكا تفويضا بالتدخل العسكري في ليبيا, لن تحصل علي هذا التفويض من مجلس الأمن, ولن تتمكن من الحصول علي إجماع من حلف الناتو, ومن ثم سوف تكون التدخلات الأمريكية شديدة الحذر والتريث, وتكتفي في هذه المرحلة بتحريك قطع من الأسطول السادس الأمريكي إلي شواطئ ليبيا, في رسالة تخويف إلي القذافي, وهي في الوقت ذاته رسالة إلي كل الحكومات في المنطقة, مثلما هي رسالة إلي العالم كله تؤذن بعودة واستئناف أنشطة الهيمنة الأمريكية علي مصادر الطاقة بحيث تتحكم بصورة ما علي نفوذ المنافسين لها في المنطقة خاصة الصين وروسيا وفرنسا. علي الجانب الآخر, يقع الشعب الليبي المظلوم بين نار القذافي في الداخل, ونار أمريكا علي الشاطئ, شعب يريد أن يتحرر من الاستبداد المجنون الذي يمارسه القذافي, يخاف أن يقع في ربقة التدخل الأمريكي المدمر.. ثورة الشعوب, ثورة حقيقية, فجرتها أوضاع داخلية غير قابلة للاستمرار, والشعوب منهكة في أحداث الساعة, لا أحد لديه متسع ليعلم ماذا يحدث في اليوم التالي, الشأن الداخلي وصل إلي حد مرعب من التدهور, وإصلاحه يحتاج إلي انغماس مطول فيما يجري تحت أقدام الشعوب. المساعي الأمريكية في العالم العربي, هي أحد أشكال الثورة المضادة, أمريكا تركب الثورات, تركب فوق أكتاف الشعوب, أوباما يلعب بخطاباته الكاذبة حتي يجد لنفسه موضعا بين ثوار ميدان التحرير, وها هو اليوم يرسل بوارجه وقوات المارينز إلي الشواطئ الليبية ليثبت اسمه واسم بلاده في دفتر حضور الثورة الليبية. الثورات الصادقة, هي النقيض الموضوعي للاستعمار الأمريكي. الحرية لا تتجزأ, الثائرون علي الاستبداد سوف يحطمون قيود القذافي, وقيود أوباما معا. حرية الأوطان سوف تنسف السجن وتدمر السجان...