أنا سيدة تجاوزت الخمسين من عمري بسنوات قليلة وأعمل في وظيفة مرموقة, تزوجت من سنوات طويلة من شاب كان يعمل معي في نفس الجهة وسارت بنا الحياة بحلوها ومرها وأنجبنا ابنا وابنة أصبحا قرة أعيننا ثم جاءت لزوجي فرصة عمل في إحدي الدول العربية فسافر إليها, وكنت في البداية أحمل طفلي بمجرد حصولهما علي أي إجازة دراسية وأسافر إليه لنقضي أطول فترة ممكنة معا لكن عندما كبر الأولاد ازدادت ارتباطاتهما في مصر وقل سفرهما وحرص زوجي علي الحضور إلينا كلما أمكن ذلك, وسارت حياتنا مثل آلاف الأسر التي يغيب عائلها فتحملت وحدي تربية أبنائي وساعدني علي تحمل قسوة الحياة طبيعتي التي تتميز بالاجتماعية والانفتاح علي الناس, وصار منزلي ملتقي للجارات والصديقات اللاتي كن يملأن حياتي ويؤنسن وحدتي. وبعد أعوام طويلة من الغربة عاد زوجي للعمل في بلده, لكنه كان قد تغير كثيرا: فقد صار شديد العصبية يتدخل في كل شئون المنزل خاصة أن عمله لا يتطلب التواجد لساعات طويلة, ومما زاد الطين بلة أنه عاد بانتماء سياسي نقيض انتمائي أنا وأولادي, فاشتعلت الحرائق في المنزل وأصبح كل حديث صغير ينتهي بخناقة كبيرة, حتي أصبح ينام في غرفة الجلوس وأصبح هذا الوضع طبيعيا منذ شهور طويلة!! سيدي... لقد تحولت حياتي الي جحيم حتي إنني طلبت منه الطلاق أكثر من مرة, لكنني أنا نفسي لا أدري إن كنت جادة في طلبي أم لا, فأنا لا أدري ماذا سأفعل في حياتي في هذه السن, لكنني متأكدة أنني لن أتحمل هذه الحياة طويلا.. فبماذا تشير علي؟ سيدتي الفاضلة هذه مشكلة كثير من بيوتنا والتي للأسف تقضي علي معني الأسرة ومعني الزواج الذي شرع لإعمار البيوت وليس خواءها, وهو أساسه الدفء واللمة والشعور بالأمان, وما حدث في منزلك الذي تركه الزوج باحثا عن المادة والمال والتي لا تغني صاحبها ولا تفيده إلا بملء خزائنه في البنوك وفي نفس الوقت تفرغ ما في قلوب أحبابه من الحنية والتعاطف تجاهه, إن زوجك يا سيدتي قد تعود علي الوحدة والعيش بمفرده وأصبح له نظامه الخاص وقوانينه في الحياة والتي بلا شك ستصطدم بنظامك الذي تعودت عليه أنت وأبنائك في غيابه, ولذلك نوصي بشدة علي عدم تفتت الأسرة الواحدة مهما كانت الأسباب والدوافع, لذلك فأنا لا أعفيكي من المسئولية عما وصلتم إليه لأنك تركتيه بمفرده تحت بند مصلحة الأولاد وهذا ما أثبتت الأيام عكسه لأنهم افتقدوا وجوده معهم, وإن نظرت للموضوع بعد حدوثه ستجدي نفسك الخاسرة الأولي من هذا القرار غير السليم لأنك تحملتي عبء التربية وحدك وعبء الاهتمام بالأولاد والذي جعلك تقسين عليهم لكي لا تفشلي معهم وهذا أيضا جعلك تعانين من ندرة حميميته معك نتيجة تعوده علي بعادك لفترات طويلة وبالتالي ستجدين نفسك أكثر غضبا مما كنت عليه قبل عودته. نصيحتي لك هي أن تتحدثا مع بعض بقلب مفتوح وبعيدا عن الماضي وأخطائه ودونما عتاب لبعضكم البعض لرأب الصدع الذي حصل بينكم أثناء الغربة, وألا يكون هدفكم الثأر من بعضكما وإنما يكون للم شمل الأسرة والاستمتاع بما أنعم الله عليكما من فضله, أما بالنسبة للأولاد فحقهم عليكما أن تعتذرا لهم عن تقصيركم معهم وأن تقوما بالتعويض في ذريتهم بأن تغمروهم بالحنان والعطف وبذلك تضربوا لهم المثل في أنه مهما كان حجم الخطأ يستطيع الإنسان أن يتخطاه ويصوبه بالاعتذار عنه والندم عليه وبالفعل الطيب.