بخلاف المحبة والإنسانية الصافية التي ستجد عليها ألف دليل وألف أمارة في وجوه بشوشة وسلوك ومعاملات أهل إمارة الشارقة الطيبين, والتي تحولت بفضل رؤية حاكمها الشيخ الدكتور سلطان القاسمي إلي عاصمة للثقافة العربية والإسلامبة, يزدهر فيها الإبداع والفن, وتنمو في ورشها ومعاهدها ومراكزها وجامعاتها الحديثة رؤية مستقبلية ناهضة تنتشر بين فئات الشباب والشابات الذين يديرون هذه المشروعات, آملين أن تحقق هدفا واحدا ألا وهو: بناء مجتمع عصري وحديث يستند إلي قاعدة صلبة من الأصالة المتجذرة في روح وسمات هذه التربة العربية, كل هذا يمضي جنبا إلي جنب نهضة عمرانية ومعمارية واضحة في كل متر مربع من مساحة الشارقة, وكأنها تسارع الخطا لتلحق بركب يتغير كل لحظة, وقد يربك حساباتها, كما هو الحال في مدن عربية أخري. هذا بالضبط ما رأيته وشاهدته خلال8 أيام من5 وحتي13 أبريل الحالي, قضيتها مشاركا ومتابعا لأنشطة واحتفالات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة بالخط العربي, وهو أيضا ما تعجز الحروف والكلمات عن وصف شخصية سلطان القاسمي ومدي محبته وعشقه لعروبته ولمصر علي وجه الخصوص. إذن لماذا اختار كل العرب..تحت سماء الشارقة عنوانا لهذه الاحتفالية, وهل يصف بدقة كيف أصبحت هذه المدينة العربية متميزة وفريدة بين مدن دولة الإمارات العربية المتحدة, وهل يعني أكثر من ذلك, ربما, فهذا العنوان في واقع الأمر يستند بالأساس إلي رؤية مستنيرة لحاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي والتي نجحت في جمع العرب كل العرب, وفي لم شملهم المتفرق تحت سمائها, وبين ساحات الثقافة والفنون والتراث التي تشع هذه الأيام بالبهجة والفنون التراثية والجديدة, التي تملأ النفس والقلب بالفرح والسرور بحيث لا يفوت زائر الشارقة أن يري إمارة خليجية لا تكره الغرباء بل تحتضنهم ولا تقسو عليهم بل تحنوا وتضمهم إليها كما الأم الحنون أو الأرض الدافئة الرحبة. هذا علي الرغم من أن كل شئ تقريبا في إمارة الشارقة يعاد بناؤه وتحديثه انطلاقا من الإنسان الذي يتعلم ويغذي يوميا وشهريا بحملات متدفقة من الثقافة والعلوم العصرية, فضلا عن برامج وفعاليات تتضمن رؤية هادفة ووثابة نحو تأصيل وتأكيد الهوية الحضارية والثقافية للأمة العربية والإسلامية. كل هذا يجري مجري الدم في جسم الإنسان, وفي قلب وشرايين وأوردة هذه المدينة العصرية ذات الطراز المعماري الحديث والطابع الهندسي العربي, والذي يمكنك أن تشم رائحته, وتتلمس أشكاله ومنمناته الإسلامية الواضحة من النظرة الأولي التي تقع فيها عينيك علي بناياتها, وخصوصا المباني الحكومية ذات الطرز والارتفاعات المتماثلة مثل مباني دوائر الثقافة والإعلام والكهرباء والهندسة وغيرها من المباني الجامعية والعلمية كالجامعة القاسمية ذات الطراز الإسلامي النادر. ففي ساحة الخط بمنطقة قلب الشارقة, افتتح الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلي, حاكم الشارقة فعاليات ملتقي الشارقة للخط, وتجول برفقة الجمهور في المعرض العام بجزأيه الأصيل والمعاصر داخل متحف الشارقة للخط, وكذلك في المعارض الشخصية والمشتركة, كما كرم عددا من الفنانين وهم: الدكتور أحمد عبد الرحمن السودان وعبيدة البنكي سوريا ونجا المهداوي تونس, وذلك تقديرا لعطائهم الإبداعي والفني, كما كرم الفائزين بالمعرض العام ومعرض الخطاطات نون وهم: أوميد رباني من إيران الجائزة الكبري وعلي ممدوح وأحمد الهواري من مصر جائزة التيار الأصيل ومحفوظ ذنون من العراق جائزة الحلية الشريفة, وأحمد محمد بور من إيران وعبد الغفار عكار من فرنسا جائزة اللوحة الحروفية, ونوريا ماسب من إسبانيا جائزة معرض نون. وفي اليوم التالي افتتح عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة والإعلام, المعارض الدولية في الملتقي للنقطة تجلياتها بمتحف الشارقة للفنون حيث تجول بين الأعمال. علي هذا النحو تتجلي حيوية هذا الحدث الثقافي المهم ملتقي الشارقة للخط بوضوح من خلال الاهتمام البالغ للدكتور سلطان القاسمي, والذي بفضل دعمه ورعايته له تتأكد استمراريته منذ انطلاقته الأولي, فالمناخ الذي تتوالي فيه الفعاليات الفنية والثقافية تنمو براعمها في هذه البيئة النموذجية. وبالطبع فإن رؤية دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة من خلال هذا الملتقي تأتي لتنعش هذا الموقع المتقدم للخط في الثقافات العربية والإسلامية, وتؤكد بالتالي أن الثقافة البصرية للخط تسهم في بناء الشخصية الفنية المعاصرة, فضلا عن أن للمتلقي دوره الفاعل ضمن منظومة النشاط الثقافي للشارقة وخطابها المنفتح علي العالم. ولهذا فإن هذا الملتقي بما يتضمن من محتوي وإخراج بصري, يرسخ حوارا ثقافيا يرتقي بنبرة النشاط التفاعلي الفني للخطوط بين الشرق والغرب. المهم أن ملتقي الشارقة للخط في دورته السابعة نجح في التعريف بفن الخط العربي نظريا وبصريا, وتفرعاته ومدارسه ومذاهبه, وبربط معارف الأجيال به تربويا وإبداعيا, وذلك عبر تكريم مبدعيه وتأصيل الجذور الفنية والجمالية لتراثنا الاعربي والإسلامي, إضافة إلي فتح النوافذ مشرعة للحوار مع الثقافات الأخري التي كان لها دور في بناء التراث الإنساني. وكما حدثني الدكتور إياد عبد الله مدير المعرض أن اختيار دائرة الثقافة والإعلام ل نقطة تيمة لهذا الملتقي في دورته السابعة تعبيرا عن كينونتها الفنية التي تشترك مفاهيم متعددة علي المستويات الفكرية والبصرية. وأضاف أنه عندما تضع النقاط علي الحروف يتجلي البيان وتتضح المعاني, وتدرك المفردات مقاصدها بينما تستوطن المعاني مبانيها, فتغدو النقطة فاصلة بين الغموض والوضوح, وفارقة بين الحق والباطل, نقطة صغيرة في أثرها, كبيرة في دلالاتها, إن حضرت استوت المقاصد واستقرت العقول, وإن غابت استبدل الشكل باليقين والغموض بالوضوح, وأصبحت كثير من المفاهيم مجاهيل تحير الألباب وأصحاب العقول. وقد حظي بحث الدكتور محمد حسن من مصر بترحيب خاص من قبل حضور الندوات, وكان تحت عنوان النقطة في الخط العربي عند المتصوفة من الخطاطين وناقش علاقة التصوف بفن الخط العربي, معتبرا أن الخط واحد من مفردات عالم الوجدان الفني, كما ناقش موضوع جمالية النقطة بوصفها بعدا فنيا وفكريا له دلالاته في اللوحة الخطية الصوفية عموما ولوحة الخط العربي خصوصا, إضافة إلي إيضاح العلاقة بين مفهوم التقليد والأصالة في الحرف العربي وارتباطه بالتجريد في الفن الإسلامي. وفي الختام, أعتقد أن شمس الثقافة العربية قديمة كانت أو جديدة, تشرق من جديد في قلب إمارة الشارقة التي يوالي حاكمها الدكتور سلطان القاسمي ذو النفس العروبي والضمير الإنساني الراقي, رفدها كل يوم بفكرة أوموضوع أو رؤية إنسانية معاصرة ومتقدة, تؤمن بالأصالة والمعاصرة, وتمزج بينهما من أجل بناء إنسان عربي قادر علي الصمود والنهوض في عالم لا يعترف إلا بالعقل والعلم والمعرفة.