في تسعينيات القرن الماضي كانت العلاقة متوترة بيني وبين نقيب المهن الموسيقية الملحن حلمي أمين,ورغم شدة الخلاف آنذاك فإن الاحترام فيما بيننا كان سيد الموقف في كل مرة تلتقي فيها الوجوه,باستثناء مرة واحدة أثناء حفل شاي أقامته نقابة الموسيقيين تكريما للمطربين اللبنانيين: الكبير وديع الصافي والشهير راغب علامة,تكهرب الجو فجأة عندما وجدني النقيب بين الحاضرين أقوم بالتغطية,ويبدو أنه كان قد ضاق ذرعا من إصراري علي مواصلة الحملة الصحفية التي قمت بها بحثا عن حقيقة إهدار المال العام داخل النقابة,وعبثا حاول الرائعان المايسترو سامي نصير وكيل المجلس والمطرب ماهر العطار أمين الصندوق احتواء الأزمة ولكن,المستندات والمعلومات بين يدي والنشر لا يتوقف,أيام ويرن تليفون المنزل فأجد علي الطرف الآخر من يقول أنا حسن أبوالسعود,عائدا للتو من الخارج,وأعتذر عما بدر تجاهك داخل بيت الموسيقيين,لا أحد يريد أن يثنيك عن أداء عملك,الجميع يقدرك,ويسعدني لقاءك,وقد كان. كان وقتها أبوالسعود رئيسا للجنة العمل التي هي بمثابة وزارة اقتصاد الموسيقيين,تحصل الرسوم من المنشآت السياحية والفنادق وقاعات الحفلات والأفراح,ليتم الصرف من الإيرادات علي العلاج والمعاشات والأبناء والأرامل,تدرج حسن أبوالسعود في العمل النقابي عشقا في العمل العام وحبا لأبناء مهنته حتي أصبح نقيبا للموسيقيين منذ عام2004 وحتي رحيله,وتمتع بشعبية جارفة بين أهل السيكا والبياتي والنهاوند علي شتي مستوياتهم,وهو أمر يدعو للدهشة كيف أجمع كل هؤلاء علي محبة هذا الفنان الساحر خلقا وإبداعا؟,لقد كانت إنجازاته النقابية متعددة,أعاد الهيبة التي كانت قد فقدت لأهل الموسيقي,ورفع المعاشات,وحسن من الأوضاع المادية,وارتقي بالخدمة العلاجية,واتفق مع المحافظ عبدالرحيم شحاتة علي إقامة ناد نهري للموسيقيين وضع بالفعل حجر أساسه,ولا أعلم ماذا تم بشأنه منذ رحيله؟. حياة أبوعلي كانت نموذجا للكفاح والإصرار علي النجاح وتحقيق الذات,لم يجد غضاضة أن يبدأ مشواره من شارع محمد علي وهو ابن العشرين كعازف علي الاوكورديون في الأفراح الشعبية مع فرق متواضعة المستوي وأثبت تميزا حتي بات أمهر عازف في مصر,وتهافتت عليه نجمات الدرجة الأولي في الرقص الشرقي غير أنه فضل بذكائه العمل مع أحمد عدوية- ابن جيله- ليساهم في صنع نجاحه بما قدمه له من ألحان كثيرة منها بنت السلطان,سلامتها أم حسن,راحوا الحبايب,وحياتك إن عشت,وكركشنجي,ويسكنه عدوية إلي جواره في عمارته بالمعادي. دأب وشطارة حسن أبوالسعود كانا سببا وراء انتقاله عضوا بالفرقة الذهبية بقيادة صلاح عرام,الذي حفظ له أبوالسعود الجميل وظل مصرا علي وجوده كمستشار للنقابة للاستفادة من خبراته,ثم يطير إلي لبنان مع فريد الأطرش,بعدها يسافر اليابان مع فرقة رضا للفنون الشعبية,التي عادت بعد أداء فقراتها وبقي أبوعلي هناك,الذي درس علي يد ياباني الموسيقي الغربيةوتجول معه في عدة بلدان أوروبية للعمل والدراسة ويرجع ومعه الاورج الكهربائي الذي استكمل به ومعه رحلته في عالم الإبداع والتلحين,ويسافر إلي فرنسا ولندن ليعود للقاهرة مصطحبا راغب علامة ليطلقه من هوليوود الشرق ويمنحه جواز المرور إلي عالم النجومية. لحن أبوالسعود أكثر من1500 أغنية لمشاهير الطرب ووضع الموسيقي التصويرية لأكثر من120 فيلما سينمائيا ومسلسلا وحصد من بينهم علي أكثر من20 جائزة من المهرجانات,ومن ينسي إبداعاته في العار والكيف وحد السيف وأربعة في مهمة رسمية وسلام يا صاحبي ولن أعيش في جلباب أبي ونحن لا نزرع الشوكوبكيزة وزغلول وغيرها من الأعمال. دار بخلدي شريط طويل مملوء بالأحداث والمواقف مع صاحب القلب الطيب والدم الخفيف والنغم الراقي حسن أبوالسعود عندما طلبني المخلص لذكراه دوما صديقي سمير موسي المستشار القانوني لنقابة الموسيقيين لنستعيد سويا لمحات من ذكراه العطرة التي تحل هذه الأيام. [email protected]