زيارة مهمة تلك التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلي مصر تزامنا مع الأحوال المضطربة التي تمر بها المنطقة والشائعات التي تخرج هنا وهناك ومن آن لآخر حول وجود خلافات بين القاهرة والرياض نفتها البيانات الرسمية أكثر من مرة. وربما تأتي الزيارة لتغلق أبواب الشكوك وتؤكد متانة العلاقات بين البلدين وربما تحمل تقاربا في عدة قضايا إقليمية ودولية من بينها قضية الإرهاب والأزمات الدائرة في اليمن والعراق وليبيا وفلسطين وربما تمتد للملف السوري والعلاقات المصرية مع قطروتركيا. دلائل الزيارة وتوقيتها والملفات الشائكة المطروحة علي أجندتها وجدواها السياسية والاقتصادية كانت محور حديثنا مع السفير جمال بيومي أمين عام اتحاد المستثمرين العرب ومساعد وزير الخارجية الأسبق كونه قريبا من مراكز صنع القرار في البلدين ويتمتع بعلاقات قوية مع الجانب السعودي. وكان لنا معه الحوار التالي: بداية كيف تري زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر في ظل الأحداث العصيبة التي تمر بها المنطقة ودلالة هذا التوقيت تحديدا؟ زيارة علي مستوي القمة هي في حد ذاتها إعلان علي أن العلاقات في ذروتها وفي أفضل حالاتها لأن العلاقات بين الدول تمارسها السفرات والبعثات وأحيانا المبعوثون والوزراء اما إذا وصلت لمستوي القيادة السياسية العليا فهذا معناه أن العلاقات تلقي اهتماما أكثر من أعلي مستوي سياسي في البلدين. وتأتي هذه الزيارة تتويجا لسلسة من الاجتماعات علي المستويات الوزارية وهذا يعني أنه تم التحضير لها بشكل جيد للغاية. وهل من ضمن هذه المعاني هو الرد العملي علي عدم وجود خلافات كما يروج البعض؟ أنا أكره استخدام هذا التعبير لأن علاقات الدول وخصوصا الطيبة لا تأتي كرد فعل أو كرد علي أحد ولا أتصور أن الملك سلمان قرر أن يزور مصر ليرد علي أحد. فالزيارة مقررة في كل الأوضاع لكن أنا وأنت والعامة قد نستنتج وجود أي شيء سلبي في العلاقات المصرية السعودية وهذا شيء لا معني له بدليل أن أعلي المستويات السياسية تتبادل الزيارات كما أن الملوك والرؤساء لا يتحركون للرد علي شائعات. وهل من رسائل معينة تحملها تلك الزيارة؟ طبعا فبالإضافة لمتانة العلاقات هي رسالة تضامن في مكافحة الإرهاب واستعادة التوازن كل مناطق الاضطراب بالمنطقة العربية وهي كثيرة سواء في سوريا واليمن أو في ليبيا او مايهدد الوضع في العراقولبنان فالمنطقة تغلي بتطورات غير إيجايبة. وبالتالي فإن الزيارة تعبر عن تضامن البلدين من أجل إعادة الإستقرار في المنطقة بل هي إعلان عن استمرار دعم مصر الأمني والعسكري لأخوتها وأشقائها في العالم العربي. يقال إن هناك خلافا غير معلن حول القوة العربية المشتركة بين مصر والمملكة. فهل هذا صحيح؟ لا في العمل الإقليمي العربي عندما يعلن عن أي مبادرة لابد أن تنضم إليها الدول المؤهلة فلا يفيدني في تكوين قوة مشتركة أن تنضم إليها الدول الأقل تقدما. ثم يأتي بعدها رغبة الدول نفسها في المشاركة لأنه لو تقدمت دولة عن إحراج وغير رغبة فإن ذلك لن يفيد القوة المشتركة وهناك اتفاق علي أن رغبة دولة في الإنضمام او عدم رغبتها لا يفسد للود قضية أبدا. وبالتالي فإن مصر حددت قدرتها ومدي إستعدادها للمشاركة من عدمه وأيضا السعودية وغيرها من الأشقاء هي من تحدد مدي إستعدادها لإعادة إحياء معاهدة الدفاع المشترك من عدمه. هناك ملفات إقليمية ستفرض نفسها علي أجندة الزعيمين من بينها اليمن هل تعتقد أن هناك تطابقا في وجهتي نظر البلدين تجاه هذا الملف؟ كلمة تطابق غير موجودة في القاموس الدبلوماسي وتطابق معناها أنني أطبق سياستك بكل حذافيرها لكن يمكننا القول أن هناك حالة توافق في هذا الملف. مشاركة مصر في التحالف العربي يراها البعض أنها مشاركة غير ملموسة وتقتصر علي تأمين باب المندب فقط. فهل تتفق مع هذا الطرح؟ أنا ضد هذا الطرح لأنك حتي لو كنت في حلف الأطلنطي وطلبت مشاركة فكل طرف سيقدم ماهو قادر عليه وما تستطيع قواته أن تقدمه. فمصر تقدم ماتستطيع والسعودية تقدم ما تستطيع إذن نحن قدمنا ما نستطيع لأن قواتنا كما قلت لك في جبهات مفتوحة علي الحدود. ربما أيضا من أهم الملفات المطروحة الإشكالية الخليجية المستمرة مع إيران بعد محاولاتها دس أنفها في أزمات سوريا واليمن والعراق. فهل هناك تفاهمات مصرية سعودية في هذا الملف؟ هذا لابد منه لأن علاقة مصر بإيران مباشرة ليس فيها مشكلات حادة من حيث تعرض القوة للقوة او إحتلال أراضي والخليج هو من يشكو طمع إيران وتدخلاتها وإحتلالها لمناطق عربية سنية. و الأمر نفسه ينطبق علي تركيا التي تطمع في إستعادة الأمبراطورية العثمانية السابقة وأردوغان يحلم بأحلام غير واقعية في هذا الشان وتركيا تضم أراضي لواء الاسكندرونة السليبة في شمال سوريا وتقف علي الطرف المناؤي للنظام. وهل ردع الحوثيين في اليمن من شأنه وقف النفوذ الإيراني هناك؟ من شأنه أن يجعلها تيأس من الاستمرار في هذه المنطقة لكن إيران لن تيأس لماذا؟ لأن إيران قوة كبيرة ولديها موارد مالية كبيرة جدا خاصة بعد الإفراج عن أرصدتها المجمدة ولهذا لا أتصور أن إيران بزعامتها الحالية سوف تقتنع بالحد من دورها في العالم العربي. وهل ما تفعله إيران الآن يتمثل في رغبتها الواضحة للتوسع الإقليمي في ظل إنصراف أمريكا عن الشرق الأوسط؟ نعم وهذا جزء من الصفقة بينها وبين أمريكا بعد الاتفاق النووي الذي يقضي بإطلاق يد إيران في المنطقة بشكل أوسع وأن يمتد نفوذها أكثر وأكثر في العراق وأن يدخل نفوذها لليمن وأن تمارس ما تمارسه في لبنان. وهل تعتقد أن التحالف الإسلامي الذي شكلته المملكة وانضمت له مصر كان موجها إلي الجانب الإيراني تحديدا؟ لا نحن عندما نقيم تحالفا فالقصد منه الدفاع عن أنفسنا ونحن لا نقيم تحالفات للعدوان علي أحد. لكن يبدو أن هناك رسالات محددة أرسلتها المملكة عبر مناورات رعد الشمال وهي المناورات الاكبر في المنطقة؟ مئة بالمائة هناك رسائل لكن الرسالة الأهم أننا لا نقيم تحالفا للعدوان علي أحد وإنما لحماية والحفاظ علي مصالح أعضاء هذا التحالف. الحديث عن القوي الإقليمية يأخذنا لتركيا ومحاولتها الدائمة السيطرة علي المشهد في الشرق الأوسط. فكيف تري تحركات أردوغان في هذا الشأن؟ أردوغان ظاهرة في حد ذاتها.. حتي مصر كانت عاقلة عندما أصدرت بيانا عن قطع العلاقات مع تركيا وقالت فيه إننا نكن كل المشاعر الطيبة للأخوة في الشعب التركي ولا ينبغي أن يكون بيننا وبين الشعب التركي أي خلاف لأن هناك قيادات في تركيا تتحدث حديثا عاقلا عن مصر من بينها رئيس الوزراء ووزير الخارجية. لكن الانسياب وعدم الالتزام باصول رئاسة دولة مثل تركيا الذي يمارسه أردوغان لا يوافق عليه أحد في العالم كله. مواقفه من مصر ربما تأتي لانها فوتت الفرصة عليه لتحقيق حلم الإمبراطورية؟ نعم هذا حقيقي. حتي العراقوسوريا وأي دولة عربية لن تسمح بذلك. ولا يجب أن ننسي أن تركيا عضو في الحلف الأطلنطي ولديها اتفاق تحالف استراتيجي مع إسرائيل. لكن البعض يتوقع أن تسهم زيارة الملك سلمان في إذابة الجليد بيننا وبين تركيا ومحاولة الصلح بين الرئيس السيسي وأردوغان؟ الرئيس السيسي ليس في حاجة لإقناعه هو مقتنع ودولته مقتنعة أننا لا نفرط في علاقاتنا مع الشعب التركي وإنما الذي يجب إقناعه هو من يعارض ذلك وهو رجب طيب أردوغان بعد حديثه عن مصر ورئاستها بطريقة غير مهذبة وإيوائه لعناصر إرهابية مناوئة للشعب المصري ولذك هو في حاجة لمن يقنعه بتغيير لغته وأدائه علي الأرض. ملف العلاقات المصرية القطرية هل سيكون مطروحا علي أجندة الرئيس السيسي والملك سلمان حتي ولو بشكل غير معلن؟ ولماذا بشكل غير معلن.. أنا مصري وذهبت لقطر مرات كثيرة بحكم عملي كأمين عام لإتحاد المستثمرين العرب وأنا مدرك للأمانة كيف يشعر الشعب القطري وكبار المسئولين وكبار رجال الأعمال- الذين التقيت بهم- تجاه مصر وحبهم لها وهم لا يذكرون مصر إلا بكل خير ويعشقون هذا البلد ويعرفون فضله علي العالم العربي. ولكن قطر يجب أن تفهم حقيقة حجمها فلا يوجد بالدنيا دولة في حجم قطر يمكن أن تناطح أكبر دولة وتخيل مثلا في أوروبا مالطا تناطح ألمانيا هذا كلام غير مظبوط إنما هذا التناطح هو لخلل في التنظيم العربي الذي يجعل لقطر صوت ومصر والسعودية مثلا الصوت نفسه وفي أوروبا علي سبيل المثال صوت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا يقيم ب29 نقطة وصوت لكسمبورج يقيم بثلاثة نقاط. لكني مع وجود مصالحة دائما ولا أتصور أن يكون هناك طرف عربي في حالة عداء. هل تعتقد أن يكون ملف العمالة المصرية حاضرا في هذه القمة؟ أنا طلبت بهذا مرات. وطالبت به أيضا في كل زيارة قام بها الرئيس لمنطقة الخليج لأنني انظر لهذا الملف نظرية اقتصادية بحتة وهو بالطبع يؤكد أواصر الثقة والأخوة بين الشعوب العربية فهناك2 مليون مصري ضيوف علي المملكة. الطلب الأول هو سعودة الوظائف بأن يكون عندي مدرس سعودي وعامل سعودي وقاضي سعودي وطبيب سعودي وهذا واجب مصر أن تدرب أجيال من المملكة علي تولي العمل في مختلف المجالات والطلب الثاني هو تعريب الوظائف في الخليج لأن الخليج صار هنديا أكثر منه عربيا وتطبيق هذا سيوفر مليون فرصة عمل إضافية لمصريين يريدون العمل في الخارج. وهل من الممكن إلغاء نظام الكفيل؟ لا يجب أن نتحدث عن هذا بالمرة لأنه شأن سعودي لكنه نرجو أنه كما قامت الكويت بإلغاء هذا النظام أن تقوم المملكة باتخاذ القرار المناسب وأدعو هنا كل الدول العربية إلي اعتماد نظام التأشيرة الموحدة لكل المواطنين في العالم العربي. وهل تتوقع إنتهاء أزمة المستثمرين السعوديين في مصر تزامنا مع هذه الزيارة؟ لا.. لأن كل أزمة لها خصوصايتها وقد تحتاج لبعض الوقت ولكني هنا أحمل المسئولين المصريين كل المسئولية لإنهاء مشكلة أي مستثمر سواء كان سعوديا أم غير سعودي وتذليل العقبات المتمثلة في منح المزايا وتخصيص الأراضي وفض المنازعات الموجودة. لو تحدثنا عن الجدوي الاقتصادية من الزيارة بما فيها من اتفاقيات ومشروعات جديدة وتلبية لاحتياجات مصر من البترول لمدة5 سنوات. كيف تري حجم التبادل الاقتصادي والتجاري بين مصر والمملكة؟ أري أن حجم التبادل أفضل بكثير مما يصوره الإعلام وأقل بكثير جدا مما ينبغي ومن إمكانياتنا ومما نستطيع. لكن الملك سلمان وجه مؤخرا بزيادة الاستثمارات السعودية في مصر إلي30 مليار ريال؟ هذا قرار عظيم جدا لكنه أيضا أقل بكثير مما ينبغي وتستطيعه السعودية وتستطيعه مصر وأتمني أن يصل حجم التبادل التجاري بيننا ل200 مليار دولار. هذا القرار يأخذنا أيضا لوقفة المملكة السابقة إلي جانب مصر ودعم ثورة30 يونيو؟ نعم هي وقفة عظيمة ولم نكن ننتظر أقل من هذا ورغم أنني ممتن وسعيد جدا إلا إنني غير مندهش من هذا الذي حدث بين مصر والسعودية لأن هذا هو الواقع وهو الأصول بمقتضي الأخوة والمحبة التي بيننا.