تحمل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى السعودية الكثير من الرسائل التي لها دلالاتها وأسبابها على واقع التغيرات الإقليمية الأخيرة في المنطقة، لاسيما بعد ترتيب الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز أوراق البيت الداخلي، ليبدأ مرحلة تحديد مسارات سياسته الخارجية. بدأ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، السبت، زيارة إلى السعودية تستغرق ثلاثة أيام، يلتقي خلالها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وعدداً من المسؤولين، حيث قالت الخارجية التركية إن الطرفين سيتناولان ملفات المنطقة الساخنة وتوثيق التعاون الثنائي بين البلدين على المستوى السياسي والاقتصادي والعسكري. تتوافق رؤية السعودية وتركيا حيال ملفات عديدة بالمنطقة رغم خلافهما في أخرى، إلا أن التقارير والمعلومات التي تداولت في الفترة الأخيرة بعد التغيرات الجذرية التي حصلت في الإدارة السعودية، بتولي الملك سلمان مقاليد الحكم، فضلًا عن التصريحات الإيجابية من مسؤولي الجانبين تشير إلي أن هناك مسعى لتسريع خطوات التقارب لمواجهة الأوضاع المتقلبة الأخيرة في المنطقة والتي اعتبروها تمثل تحديًا وخطورة على نفوذهم بالشرق الأوسط. يؤكد الحديث عن التقارب ما كتبه قبل أيام عبد الرحمن راشد، المقرب من دوائر القرار السعودي، تحت عنوان: "هل تصبح تركيا حليفة؟" وقال الكاتب السعودي: "معظم الخلافات مع تركيا هامشية، وليست على مسائل إستراتيجية، وبعض اللوم يقع على الأتراك بسبب خوضهم في وحل الخلافات العربية الداخلية"، وأضاف: "لتركيا مكانة كبيرة، ودور إقليمي قادر على التغيير، لو أنها تخلت عن التحالفات الصغيرة، وتجنبت دس أنفها في المعارك العربية الداخلية، بانتظارها دور أهم، حيث إن بإمكانها إعادة التوازن الاستراتيجي". التوافق في سوريا واليمن اعتبرت السعودية سيطرة أنصار الله على المؤسسات اليمنية والعاصمة صنعاء بمثابة دق ناقوس خطر لمصالحها في هذا البلد الحدودي جنوبيًا مع المملكة، الأمر الذي نظرت إليه على أنه يتطلب تشكيل تحالف مع تركيا، فضلًا عن تقارب وجهات النظر في سوريا لا سيما أن الرياض وأنقرة يسعيان إلى تدريب ما يعرف بالمعارضة المعتدلة لإسقاط النظام السوري. عزلة أردوغان الإقليمية ويرى مراقبون أنّ لأردوغان أيضًا أسبابه في الترحيب بهذه العلاقات مع الرياض، حيث يتعرض لعزلة دولية بعدما سقط معظم حلفائه الذين راهن عليهم في إطار ثورات الربيع العربي، فقد خسروا الحكم في كل من مصر وتونس و ليبيا، وخرجوا من المشهد السياسي في اليمن، ويترنحون في سوريا حيث تبخرت أحلامهم في إطاحة سريعة لبشار الأسد. وهو ما ترجمه أردوغان بعد وفاة الملك عبد الله ، حيث لم يتأخر في استغلال الفرصة للتعبير رغبته في إرسال رسائل إيجابيّة إلى الملك السعودي الجديد، إذ بادر أردوغان إلى قطع جولته الإفريقية وتوجّه مباشرة إلى المملكة العربية السعودية للمشاركة في مراسم التشييع الرسمية، كما أعطى توجيهات بإعلان يوم 24 يناير الماضي يوم حداد رسمي في تركيا وبتنكيس الأعلام على المؤسسات والمباني الرسمية في بادرة هي الأولى من نوعها على الإطلاق في البلاد. مصالحة أم مصادفة؟ تتزامن زيارة الرئيس التركي مع زيارة للرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الرياض تستغرق ساعات يلتقي خلالها الملك سلمان قبل لقائه بأردوغان، ما يطرح تكهنات كثيرة، هل ثمة بوادر مصالحة تلوح فى الأفق بين مصر وتركيا، أم أن وجودهما فى نفس التوقيت مجرد مصادفة؟ أم تغير في سياسات السعودية تجاه مصر. هناك رأي له وجاهته يقول إن تواجد رأس النظامين التركي والمصري تحت سماء واحدة، بعد فترة من الجفاء، ليس مصادفة، ما قد يعزز احتمالية تقارب مرتقب بين البلدين بوساطة سعودية، بينما تشير تحليلات أخرى إلى أن النظام السعودي الحالي ينأى بنفسه عن كل هذه الخلافات وربما يحاول الوقوف على مسافة واحدة بين النظامين وعدم تعزيز كفة على أخرى. يرى تيار ثالث أنها محاولة من النظام السعودي الجديد للاستعانة بتركياوقطر وعلاقاتها الجيدة بالاسلام السياسي في المنطقة للسيطرة على الأوضاع والمنطقة من سوريا إلى ليبيا واليمن، وما يعزز ذلك زيارة أمير قطر تميم بن حمد إلى السعودية قبل أيام، ما جعل الكثير من المراقبين يعتبرونه تغيير في سياسات المملكة الخارجية بعد رحيل الملك عبد الله.