هذا الجبل يمثل موقعا استراتيجيا مهما منذ أقدم العصور إلي يومنا هذا, وهو همزة الوصل بين عدوتي المغرب والأندلس وقد كان في العصور المختلفة يمثل موقعا يتحكم منه في مضيق المجاز ضد أي عدوان علي إسبانيا من هذه الناحية الجنوبية, وقد أدرك الفينيقيون من قديم أهمية هذا الموقع حينما احتلوا شواطئ عدوتي المغرب والأندلس, فأقاموا علي هذا الجبل أبراجا للمراقبين, ولم يسمحوا لأي دولة أخري مشاركتهم في استغلال تلك المناطق الغربية وحددوا الساحل الشرقي الإسباني كأقصي حد يمكن الوصول إليه, وكانوا يغرقون كل سفينة تحاول عبور المضيق, وأطلقوا علي هذا الجبل اسم:MomsCobr, وهي بلغة الفينيقيين( الجبل المجوف) وفيه مغارة كبيرة والتي سماها الإسبان باسم( القديس ميخائيل) وقد أشار الحميري في الروض المعطاء إلي هذه المغارة, وقال إنها كانت تعرف بغار( الأقدام) لوجود آثار أقدام فيها. وقد تداول حكم إسبانيا بعد الفنيقيين, أبناؤهم القرطاجيون ثم الرومان ثم القوط, فحرصوا جميعا علي بسط سيطرتهم علي مضيق المجاز, واتخذوا من جبل طارق قاعدة حربية لهذا الغرض, ولا شك أن القوط في أواخر أيامهم كانوا علي علم تام بمدي قوة المسلمين في الجانب المغربي المقابل لهم وربما كانوا علي علم بنواياهم وخططهم المقبلة, لأن مضيق المجاز الذي يفصل بينهما, وهو ذراع ضيق من المياه يبلغ عرضها في أضيق حدوده نحو15 كم, وهي مسافة لا وزن لها من ناحية الانتشار العسكري بين الشاطئين المغربي والإسباني, بالإضافة إلي الغارات التي شنها كل من يوليان علي سواحل إسبانيا الجنوبية, كانت إنذارا للقوط ليأخذوا حذرهم من أي هجوم يقع عليهم من هذه الناحية, لذا فقد كانت هذه القاعدة الاستراتيجية فيها حراسة من القوط جعل نزول المسلمين علي هذا الجبل ليس بسهولة, ولكن كان صعبا جدا. لذا فقد ورد عند مؤرخي الأندلس مدي الصعوبة التي عاناها المسلمون وقاداتهم في اختراق الجبل الفاصل بين العدوتين والذي يفصل بين إسبانيا والمغرب. فالمؤرخ التونسي عبد الملك الكردبوس, والذي عاش أواخر القرن السادس الهجري يصف عمليات نزول المسلمين بقيادة( طارق) عند سفح هذا الجبل, والمقاومة التي أظهرها العدو ليحول بين المسلمين هناك, ثم حركة الالتفاف البارعة التي قام بها طارق وجنوده أثناء الليل حول العدو المرابط علي الجبل, والانقضاض عليه فجأة وإبادته عن آخره, وفي ذلك يقول:( فمضي طارق لسبته وجاز في مراكبه إلي جبل طارق باسمه إلي الآن, وذلك سنة اثنين وتسعين من الهجرة, ووجد بعض الروم وقوفا في موضع وطيء, كان قد عزم علي النزول فيه إلي البر فمنعوه منه, فعزل عنه ليلا إلي موضع وعر, فوطأه بالمجادف وبرادع الدواب, ونزل منه في البر وهم لا يعلمون, فشن غارة عليهم وأوقع بهم وغنمهم كتاب الاكتفاء في أخبار الخلفاء لابن كردبوس, والدكتور أحمد مختار العبادي في صحيفة ريموند بمدريد1965 م أما المؤرخ ابن عذاري صاحب كتاب( البيان المغرب) والذي عاش في القرن السابع الهجري فقال في المعركة التي خاضها طارق مع القوط:( وأول فتوحاته جبل الفتح المسمي جبل طارق, وذلك لما جاز المسلمون ونزلوا في المرسي وهم عرب وبربر, وحاولوا الطلوع في الجبل وهو حجارة حرش, فوطئوا للدواب بالبرادع, وطلعوا عليها, فلما حصلوا في الجبل برا سورا علي أنفسهم يسمي سور العرب. وللحديث بقية