زوجتى زينب مصطفى تبحث كثيراً فى تاريخ الأندلس، وتهتم بالسنن الإلهية فى زوال الأمم وانهيار الحضارات، وتشير إلى سقوط الأندلس فى دروسها ومحاضراتها باعتبار ذلك من أهم الدروس فى تاريخ العرب والمسلمين. كما تهتم الزوجة أيضاً بمكانة المرأة وإسهاماتها فى الحضارة الأندلسية وهو دور رائد حتى إن ابن حزم قال «إن كل شيوخه ومعلميه وأساتذته، حتى بلغ سن 23 سنة، كانوا فى معظمهم من النساء»، ولهذا حديث آخر. كان فتح الأندلس ميسراً أيام الوليد بن عبدالملك، وقد خطط لهذا الغزو القائد الفذ موسى بن نصير، بعدما فتح العرب المغرب الأقصى، واستولوا على ثغر طنجة، وأشرفوا على شاطئ الأندلس. قاد الفتح الكبير القائد الأشهر طارق بن زياد، الذى يُسمى باسمه جبل طارق حتى اليوم، على حدود إسبانيا. قاد طارق بن زياد جيش العرب والمسلمين فى شهر رجب لسنة 92 هجرية الموافق 711 من الميلاد. هزم جيش العرب والمسلمين جيوش القوط، وكان قوامها 100 ألف مقاتل، وكان العرب 12 ألفا فقط. انهزمت جيوش القوط حيث كانت تلك الجيوش مفككة، وخلافاتها كثيرة، فضلاً عن بعض الخيانات بين صفوف القوط، وكراهية معظم السكان لهم، لتسلطهم واستبدادهم بالسلطة والنفوذ والثروة دون غالبية السكان. وكان القوط أصلاً من قبائل ألمانية نزحت من شمال أوروبا إلى جنوبها، وانتزعوا ملك إسبانيا من أصحابها الأصليين وسيطروا عليها، واتخذوا طليطلة عاصمة لملكهم. فى غضون سنتين من دخول العرب إلى الأندلس، استكمل موسى بن نصير، وقائده الأشهر طارق بن زياد فتح الأندلس، وخضعت لهم جميع أصقاع الدولة الرومانية الجنوبية حتى أواسط فرنسا. يقول ذلك المؤرخون الغربيون أنفسهم ويتعجبون من تلك السرعة التى فتح بها العرب الأندلس. يقول فى ذلك المؤرخ الأمريكى «سكوت»: «فى أقل من أربعة أشهر قُضى على مملكة القوط قضاءً تاماً، وفى عامين فقط توطدت فيما بين البحر الأبيض وجبال البرنيه سلطة الإسلام، ولا يقدم لنا التاريخ نموذجاً آخر فى سرعة الفتح وكمال الرسوخ، بمثل ما اجتمع فى فتح الأندلس». أصبح عصر ملوك الطوائف الأول، الذى أعقب سقوط الدولة الأموية فى الأندلس، شاهداً وعلامة بارزة على فشل الحكم وخطورة الانقسام والتفتت وإعجاب كل ذى حاكم أو ملك برأيه، وكذلك التناحر المستمر، أو الوقوع فى أيدى الأعداء، مما يجعل الأمر ميسراً أمام كل طامع. من العجيب أن دولة الخلافة فى الأندلس انقسمت آنئذ إلى 22 دويلة منفصلة، منها: قرطبة، وغرناطة، وإشبيلية، وبلنسية، وطليطلة، وسرقسطة، بعد أن كانوا أقاليم تنضوى تحت لواء دولة الخلافة الأموية. ولم يستمر هذا العصر طويلاً بل استغرق 55 سنة من 1031 إلى 1086 ميلادية. مهد عصر ملوك الطوائف إلى قيام دولة المرابطين فى 478ه/1085م، واستمرت حتى 558ه/1102م، وأعقب سقوطها قيام دولة الموحدين فى 1094.. حاولت الدولتان لمّ الشمل مرة أخرى، لكن عوامل الهدم كانت أسرع وسقطت، فسقطت دولة الموحدين فى عام 1163. أعقب دولة الموحدين فترة جديدة هى فترة ملوك الطوائف الثانية وبدأت الدويلات الإسلامية فى السقوط واحدة تلو الأخرى، حتى سقطت غرناطة فى أيدى الملك فرناندو والملكة إيزابيلا سنة 1492م، وهى السنة التى اكتشف فيها كولومبوس أمريكا. وفى ختام هذا المقال نذكر هنا ما قاله شارل مارتل، نائب ملك فرنسا وأشهر قادتها العسكريين، عندما اجتمع به قادة الفرنج وسألوه: ما هذا الخزى الباقى فى الأعقاب، كنا نسمع عن العرب ونخافهم من جهة المشرق، حتى أتوا من الغرب واستولوا على الأندلس بجمعهم القليل وقلة عدتهم، وكونهم لا دروع لهم. فقال لهم شارل مارتل: «الرأى عندى ألا تعترضوهم فإنهم كالسيل يجتاح ما أمامه، وهم فى إقبال أمرهم ولهم نيات تغنى عن الدروع، ولكن أمهلوهم حتى تمتلئ أيديهم بالغنائم، ويتخذوا المساكن ويتنافسوا فى الرياسة، ويستعين بعضهم على بعض، عندها تتمكنون منهم بأيسر إمر». وللأسف قد كان ما ذهب إليه شارل مارتل، والأمراض القاتلة تنتقل مثل العدوى تماماً. القائد الذى يعرف الواقع يوفر على وطنه وأهله الكثير، والقائد الذى ينشغل بنفسه ولا يقدر مصلحة الوطن يضع الوطن فى تحديات كان الوطن فى غنى عنها، وحالات الصراع العربى بين أيدينا واضحة للعيان، والفتنة تعبث بالجميع، والتاريخ لا يحابى أحداً، وللحديث صلة.. والله الموفق.