كان للقرية السوهاجية فيما مضي شأنها شأن غيرها- دور كبير في دعم الاقتصاد حيث كانت تمد المدن باحتياجاتها من منتجات الألبان والطيور والحبوب والحاصلات الزراعية المختلفة إلا أن الوضع تغير وتحولت غالبية قري المحافظة من وحدات منتجة إلي وحدات مستهلكة. فبمجرد زيارتك لأي قرية في سوهاج تشاهد انتشار المخابز البلدية ومحال بيع الدواجن البيضاء والألبان والبيض والجبن وفي حالة عدم وجود مخابز أو محال ببعض القري يضطر أهالي هذه القري إلي مزاحمة أهالي المدن أمام المخابز والمجمعات الاستهلاكية للحصول علي منتجات كانت في الأصل من إنتاج هذه القري. وعن هذا التغير في طبيعة القرية بسوهاج يقول أسعد عبد الرحيم إبراهيم مزارع- إن ارتفاع أسعار الأعلاف أدي إلي إحجام الأهالي عن تربية الطيور والمواشي واعتمادهم علي شرائها ومنتجات الألبان من المجمعات الاستهلاكية والمحال التجارية وأصبحت معظم بيوت الريف خاوية منها.. وهي التي كانت تميزها في الماضي. وتضيف هنية عبد الحميد- ربة منزل من قرية المواطين- أنها كانت تقوم هي وجارتها بخبز العيش الشمسي في الفرن البلدي الموجود أعلي سطح المنزل وحلب الأبقار وإنتاج السمن البلدي والجبن القريش أما اليوم فنقوم بشراء العيش المصري من مخبز القرية لأن أغلب الأمهات اتجهن إلي إلحاق بناتهن بالمدارس. ويتحسر أحمد عبده فراج مدرس- علي خير زمان بالقري التي أصابها الخمول وأصبحت مستهلكة وليست منتجة كما كانت في الماضي ويوضح السبب في ذلك إلي نقص مساحات الأراضي الزراعية وانتشار المباني الخرسانية بالقري ورغبة سكان القري في التشبه بسكان المدن في شراء متطلباتهم من الطيور ومنتجات الألبان من المحال المنتشرة بكل أنحاء القرية وشراء الخبز من المخابز. ويشير حاتم محمود- مهندس زراعي- إلي أن القري تواجه مشكلة حقيقية تتمثل في تناقص المساحات الزراعية المملوكة للأفراد بسبب الميراث ففي الماضي كان المزارع يمتلك علي الأقل عددا من الأفدنة يستغلها في زراعة الحبوب لإنتاج الخبز وتربية المواشي لإنتاج الالبان والسمن البلدي والجبن وتربية الطيور وكان يحقق الاكتفاء الذاتي لأسرته وبيع الفائض لأهل المدن ومع مرور السنين تم تقاسم هذه المساحة بين الأبناء لدرجة أن غالبية أهل القري انحسرت ملكيتهم في بضعة قراريط لا يكفي إنتاجها لتلبية احتياجات الأسرة الضرورية مما يضطرها إلي الشراء من المحال. ويطالب محسن تمام إسماعيل- بدون عمل- بضرورة توجيه الاهتمام بالقري لتحويلها إلي كيانات منتجة كسابق عهدها وذلك من خلال إقامة مشروعات تسمين الدواجن ومشروعات البتلو ومنتجات الألبان واستغلال الظهير الصحراوي للقري في استصلاح الأراضي والتصدي لظاهرة التعدي علي الأراضي الزراعية بالبناء والذي يضر بثروة البلاد من الأراضي الزراعية ويقلل من إنتاجيتها ويحول سكانها من منتجين إلي مستهلكين. ومن جانبه أشار الدكتور ممدوح الرشيدي- عميد كلية التجارة بسوهاج- إلي أن سفر الكثير من أبناء القري إلي البدان العربية سعيا وراء الرزق وجنيهم للكثير من الأموال أدي إلي تغيير ثقافة أبناء القرية والاتجاه نحو المزيد من التطلعات لمواكبة ما يرونه في البلدان التي كانوا يعملون بها فضلا عن حرص الآباء علي إلحاق أبنائهم وبناتهم بمراحل التعليم المختلفة أدي إلي أن القرية أصبحت مستهلكة وليست منتجة. وطالب القائمين علي البرامج التعليمية بتوضيح الدور المهم للفلاح وأهمية مهنة الزراعة في دعم الاقتصاد المصري وحث أبناء القري بصفة خاصة في الالتحاق بالمدارس والكليات الزراعية وتطبيق الأنظمة الحديثة في الزراعة والري بقراهم. وقال الدكتور ياسر علي أستاذ الاقتصاد بمعهد العلوم الإدارية بسوهاج إن السبب في تحول القرية إلي الاستهلاك يرجع إلي كثرة التعديات علي الأراضي الزراعية وعدم الاهتمام بالظهير الصحراوي للقري مما أدي إلي تقلص المساحات المزروعة ونقص حاد في إنتاج الحاصلات الزراعية وعدم اهتمام ربة المنزل بتربية الثروة الداجنة بالمنازل وكذلك عدم اهتمام المزارع بالأراضي الزراعية وزراعتها والاكتفاء بهجرته إلي المدن والمحافظات المجاورة من أجل العمل وكسب الرزق وذلك لعوامل عديدة لعل أهمها ارتفاع تكلفة الزراعة وقلة العائد منها مما يتطلب زيادة دعم الفلاح وحل مشكلاته حتي يجد مردودا جيدا لما يقوم به من جهد في زراعة أرضه. وقالت الدكتورة سحر وهبي أستاذ بكلية الآداب بجامعة سوهاج إن المرأة الريفية اهتمت بتعليم بناتها وتغاضت عن تعليمهن الأعمال المنزلية المتمثلة في تجهيز الخبز في المنزل وتربية الطيور واستخدام منتجات الألبان في تصنيع الجبن والسمن البلدي وغيرها من المنتجات الريفية التي تحظي بإقبال أهل المدن علي شرائها مما أدي إلي تحول القرية من منتجة إلي استهلاكية.