أنا سيدة في الثلاثين من عمري نشأت في ظروف أسرية صعبة جدا.. فكل ما أذكره من حياة أمي وأبي معا هو خلافاتهما الشديدة التي تعود إلي عصبية أمي أمام برود أبي وعدم تحمله المسؤلية, وسرعان ما حدث الطلاق وأنا طفلة صغيرة وانفردت أمي بتربيتي مع أخي الوحيد الذي يكبرني بعامين وكانت تقسو علي كثيرا فلا أذكر عدد المرات التي نلت منها ضربا مبرحا, لذلك تزوجت سريعا من قريب لي هربا من جحيم أمي وتحكم أخي الذي ورث عنها العصبية, وحملت في طفلتي الوحيدة في أول شهر من زواجي الذي لم يستمر طويلا بطبيعة الحال بعد أن اكتشفت عيوب زوجي التي أقلها هو تدخل أهله الذين نسكن معهم في نفس البناية في حياتنا وفي غرفة نومي, فحصلت علي الطلاق واحتضنت ابنتي وعدت للحياة في بيت أمي التي كانت عصبيتها قد زادت جدا, خاصة بعد أن تمكن منها مرض الوسواس القهري في النظافة, وتتطور حالتها كل يوم إلي الأسوأ لدرجة أنها تمنعني أنا وابنتي من دخول غرفتها أو المطبخ, بل إننا لا ندخل البيت إلا بعد طقوس تعقيم خاصة علي الباب تصل إلي خلع ملابسنا التي تظن أنها تلوثت بعد أن لامست الشارع. سيدي... لقد تحملت أمي سنوات طويلة وأعلم أن علي تحملها باقي سنوات عمرها فيكفي ما لاقته من عناء, لكن المشكلة هي أنني امراة عاملة أشقي من أجل تربية طفلتي التي تبلغ الآن الثالثة من عمرها ولا يصرف عليها والدها مليما, وأضطر إلي تركها مع أمي طوال اليوم لكنني أخشي عليها من تصرفاتها المرضية الغريبة التي لاحظت أنها بدأت بالفعل تؤثر علي طفلتي التي لا أريد لها أن تنشأ في هذه الظروف المعقدة, فدلني بالله عليك ماذا أفعل مع ابنتي ومع والدتي التي لاتعترف بمرضها أساسا؟ سيدتي أستطيع أن أتخيل مدي معاناتك منذ نعومة أظافرك من مشاهدتك وسماعك لمشاكل والديك دون ذنب منك, بالإضافة إلي معاناتك من الفقد العاطفي والدفء الأسري بسبب طلاقهم بعد ذلك وحرمانك من وجود الأب الطيب والسلبي في ذات الوقت كما وصفتيه مما أدي إلي انفراد الأم بتربيتك, ولأنها شخصية قوية حادة تعاني هي الأخري من الحرمان العاطفي والوحدة, بالإضافة إلي خوفها الشديد من الفشل في تربية أبنائها, استخدمت كل الوسائل الكريهة من تسلط وقسوة لدرجة وصلت للضرب والإيذاء البدني والنفسي مما دفعك إلي قبول أول رجل طلبك للزواج, وهذا حال كثير من بناتنا في مجتمعات تعاني من قلة الوعي التربوي أفرزت جيلا يتسم بالعصبية والحدة والميل إلي المادية. وبطبيعة الحال اخترت الزواج بشبيه والدك( سلبي- غير مسئول- غير فاهم لمعني الزواج وإنشاء أسرة) وبالتالي تكررت المأساة خصوصا أنك أيضا ورثت الكثير من طباع الأم( الشخصية الحادة- العنيدة- التي لا تقبل الحلول الوسط) فكررت غلطة الأم وتطلقت معتقدة أن الطلاق هو الحل بدلا من بذل المجهود مع الشريك لاحتوائه والتقرب منه لإبعاده عن تسلط أهله وليس البعد عنه ومعاقبته علي قلة حيلته ودفعه إلي التأكد من أنهم علي حق ويريدون مصلحته كما يزعمون وبالتالي يرتمي في أحضانهم أكثر ويمشي وراءهم كما حدث في حالتك. عودتك للعيش مع أمك بعد الطلاق كانت غلطة خصوصا بعد إصابتها بالوسواس, لأن ذلك سيسبب لابنتك الكثير من الاضطرابات النفسية مثل فرط الحركة والعصبية وتشتت الانتباه والذي سيجعل منها شخصية عنيدة مما سيضاعف من عصبيتك وستقابلي عنادها بالقسوة وربما بالضرب, وكأننا نستنسخ حياتك وأنت طفلة. ولا تنسي أن توتر أمك هو نتيجة خوفها الدفين من فشلها في تربية حفيدتها دون قصد كما فشلت معك, وتأكدي أنها تعاني من الشعور بالذنب تجاهك وهذا ما يجعلها خائفة ومرعوبة من تكرار التجربة مع الحفيدة وهذا هو سبب حالتها. والحل هو خروجك من بيت الأم بغرض توفير جو أسري هادئ لابنتك عن طريق استئجار شقة صغيرة بالقرب من بيت الأم ويمكنك إيجاد دار حضانة في محيط سكنك تودعي فيها ابنتك فترة عملك, ويمكنك الاتفاق مع أمك علي استلامها من الحضانة في حال تأخرك وهذا سيقلل من حدتها, لأنها لن تكون مسئولة عنها كل الوقت. كما أرجو أن تتواصلي مع طليقك وأن تقنعيه أن تضعوا خلافاتكم علي جنب وأن تنصب تصرفاتكم علي كل ما هو في مصلحة ابنتكم التي ليس لها أي ذنب في هذه الحياة إلا أنها أودعت أمانة لديكم من الخالق سبحانه وتعالي.