إننا نبحث عن السعادة غالبا كما نبحث في كثير من الأحيان عن النظارة وهي فوق أعيننا.. غاندي بمقولته تلك خرمش وجوهنا جميعا نحن البائسين المستسلمين لليأس فيما بإمكاننا أن نلمس أو نتلمس قدرا من السعادة فقط لو كنا راغبين بصدق في ذلك.. فهو يراها أبدا ليست ببعيدة.. الرجل ذو الرداء الأسود الذي يقف حاملا غمامة فوق رأسه علي غلاف كتاب ميل إلي السعادة للكاتب المبدع سامح قاسم الصادر حديثا عن دار روافد للنشر.. ما ابتعد موطيء قدم عما ذهب إليه غاندي فلو كلف هو الآخر نفسه بجهد قليل ورفع الغمامة من فوق عينيه.. كان سيري البياض الناصع للحياة ويلمس بأطراف أصابعه الزهور التي تملأ الخلفية لكنه مثلنا جميعا لم يفعل ربما لأن سامح منحه حرية اختيار تجلت بروعة لاتخطئها العين في عنوان الكتاب ذاته حيث تركه المؤلف دون تشكيل أظنه ليس سهوا.. ليقول لنا ببساطة: إذا أردت أن تري الحياة من وراء غمامة سوداء وقتها سيكون بينك وبين السعادة مسافة ميل.. ربما تنقضي حياتك قبل أن تقطعها!!.. أما إذا أردت أن تراها من منظور آخر أعمق وأكثر رحابة كهؤلاء الخارقين الذين حفل بهم الكتاب فسيكون لديك طوال الوقت ميل إلي السعادة بفتح الميم. السعادة إذن كالقمح.. لا ينبغي كما يقول برنارد شو- أن يكون لنا الحق باستهلاكها إذا كنا لا ننتجها.. أبطال هذا العمل الحقيقيون يبدو أنهم كانوا مؤمنين طوال الوقت بتلك المقولة فقد سعوا رغم معاناتهم وبؤسهم.. رغم المرض والحرب بل وحتي الموت أن ينتجوا قمح السعادة لكنهم للأسف لم يتذقوا منه إلا قليلا وتركوا للقاريء رغيف الخبز شبه كامل ليلتهمه بكل الشغف عبر هذا الكتاب. وفي تقديري كقاريء أن سامح قاسم نجح باقتدار في توصيل الرسالة التي أرادها بدقة وسهولة حيث أراد أن يقول إن الأحاسيس التي يراها الناس حزينة وتدعو للكآبة هي عنصر مهم جدا لا يستطيع الإنسان أن يحيا بدونها لكنه لا بكاء طوال الوقت وكذلك لا فرح.. تبقي فقط أحاسيسنا هي التي تخبرنا بأننا بشر نتألم ونفرح ونحب ونكره. ولعل ذلك في تقديري ما جعل سامح يعمد إلي تقديم نوع من القص عن حياة أناس معلومين بالضرورة فهو لم ير مانعا من أن يكون أبطال القصة حقيقيين رغم أنه تغاضي أو لم يعبأ كثيرا بعنصر الزمن للأحداث الأصلية ربما لكي يعطي للقصة صفة الديمومة.. حيث يري الكاتب أن هذه الشخوص ما زالت مستمرة وموجودة وإن غابت بالجسد.. وقد أراد سامح قاسم في كتابه أن يظهر أوجاع وسقطات هذه الشخصيات التاريخية والتأكيد علي أنهم رغم ما تركوا لنا من إبداع وتراث مهم هم في النهاية نماذج للبشر العاديين ولم يكونوا مثاليين بالمعني الإخلاقي للكلمة ومع هذا استطاعوا رغم كل المساؤي والمآسي التي عاشوها أن يبدعوا ويقدموا ميراثا مهما للبشرية. ويأخذك سامح قاسم منذ الصفحة الأولي من العمل إلي حالة من الإرباك والدهشة فيما كان هو يطل عبر السطور بين الحين والآخر مرة كتلميذ وأخري كصديق حميم وغيور يرفض انزلاق أبطاله لما انزلقوا إليه. واختتم مقالي بأن السعادة كما يلخصها برنارد شو.. تأتي من الشعور بعمق.. من الاستمتاع ببساطة.. من التفكير بحرية, من المخاطرة.. من أن تكون شخصا يحتاجك الآخرون.. وكل ذلك لمسناه بمنتهي الدقة والعمق في ميل إلي السعادة.. شكرا سامح قاسم.