الرياء هو طلب المنزلة في قلوب الناس بالعبادة علي وجه الخصوص, فإذا توصل الإنسان إلي ذلك عن طريق إظهار الطاعة لله قاصدا ذلك فهذا هو الرياء لانه قصد الخلائق ولم يقصد الخالق سبحانه وتعالي, ولقد ذم الله سبحانه وتعالي الرياء في مواضع عديدة في القرآن الكريم وحذرنا منه سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام لما له من عواقب سيئة علي الانسان في الدنيا والآخرة ويورث الذل والهوان والفضيحة, ويكون خطرا علي الأعمال الصالحة لأنه يذهب بركتها ويبطلها ويكون سببا لمقت الله تعالي لذا اعتبره العلماء من المهلكات التي يجب علي المسلم أن ينتبه لها وتقي شر الوقوع فيها بمعرفة بواعثها ودوافعها والعمل علي النجاة. يقول الدكتور أسامة الشيخ أستاذ الفقة المقارن المساعد بكلية الشريعة والقانون بطنطا أن حقيقة الرياء هو طلب ما في الدنيا بالعبادة وطلب المنزلة في قلوب الناس ومعني قوله تعالي الذين هم يراءون أي أنهم يفعلون أفعالا ظاهرة بقدر ما يري الناس دون أن تستشعر قلوبهم بها أو تصل إلي معرفة حكمها أو اسرارها وهناك شبه كبير بين المنافق والمرائي: فكلاهما يظهر خلاف ما في قلبه, فالمنافق هو المظهر للإيمان المبطن بالكفر, والمرائي المظهر ما ليس في قلبة من زيادة خشوع ليعتقد فيه من يراه أنه متدين أو تقول المنافق لا يصلي سرا والمرائي تكون صلاته عند الناس أحسن. ويوضح الشيخ أن الرياء علي الأعمال الصالحة عظيم لانه يذهب بركتها ويبطلها قال تعالي كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلدا لا يقدرون علي شئ مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكفرين التوبه264 ومن ثم الرياء يمحق العمل الصالح محقا في وقت لا يملك صاحبه قوة ولا عونا قال تعالي أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرونالبقرة266 فالعمل الصالح أصله كالبستان العظيم كثير الثمار فهل هناك أحد يحب أن تكون له هذه الثمار والبستان العظيم ثم يرسل عليها الرياء فيمحقها محقا وهو في أشد الحاجة إليها؟!. بالاضافة إلي ذلك أن الرياء يسبب عذاب الآخرة فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم قال إن في جهنم لواديا تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائه مرة أعد ذلك للمرائين من أمة محمد لحامل كتاب الله وللصدق في غير ذات الله وللحاج إلي بيت الله وللخارج في سبيل الله ويشير أسامة الشيخ إلي أن الرياء يورث الذل والهوان والفضيحة عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم من سمع الناس بعمله سمع الله به سامع خلقه وحقره وصفره والرياء أيضا يحرم ثواب الآخر قال صلي الله عليه وسلم بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعه والتمكين في الأرض فمن عمل منهن عمل الآخر للدنيا لم يكن له في الآخره من نصيب والرياء أيضا يكون سببا في هزيمة الأمة قال صلي الله عليه وسلم إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم وهذا يبين أن الإخلاص لله سبب في نصر الأمة علي أعدائها. ويقول الشيخ صلاح زاهر مدير عام أوقات ميت غمر أن كلمة رياء مشتقة من رؤية أي حب رؤية الناس للأعمال والعبادات والرياء هو طلب المنزلة في قلوب الناس بالعبادة علي وجه الخصوص, وقد ذم الله سبحانه وتعالي الرياءفي مواضع عديده في القرآن الكريم قال تعالي فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهن ساهون الذين هم يرآءون ويمنعون الماعون ويقول عليه الصلاة والسلام إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازي العباد بأعمالهم إذهبوا إلي الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء ويقول الصحابي الجليل شداد بن أوس رضي الله عنه رأيت النبي صلي الله عليه وسلم يبكي فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: إني تحوفت علي أمتي الشرك.. أما أنهم لا يعبدون صنما ولا سما ولا قمرا ولا حجرا ولكنهم يراءون بأعمالهم ويوضح زاهر أن الرياء له أركان ثلاثة. أولا قصد الرياء وهو النية في القلب بمعني إذا قصد المسلم بعبادته وأعماله الصالحة الرياء فقط فهذا عبادته مرفوضة لا يجني منها إلا مقت الله تعالي وغضبه أما إذا قصد الثواب والرياء معا يري بعض العلماء بطلان ثواب هذا العمل ولا وزر عليه والبعض الآخر يري إحباط عمله ويؤاخذ صاحبه علي نية الرياء أما إذا غلب قصد الرياء علي قصد الثواب حبط عمله بإتفاق العلماء أما إذا غلب مقصد الثواب علي الرياء فالبعض يري أنه ثياب علي قدر قصده ويعاقب علي قدر قصده الرياء. أما عن ثاني أركان الرياء فهو المرائي به اي أن يرائي بأصل القصيدة فيظهر الإيمان ويبطن الكفر وهذا من أغلظ أنواع الرياء وصاحبه مخلد في النار لأنه جمع بين وزر الكفر في الباطن ووزر النفاق في الظاهر قال تعالي إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين لكاذبون وكذلك أن يرائي بالفرائض مع بقاء عقيدة الإسلام في قلبه فهو يتكاسل عن أدائها إذا كان منفردا ويؤديها أمام الناس فقط وهؤلاء يحكم عليهم العلماء بالفسقة وبأنهم معاقبون عقاب المرائين لكنهم لا يخلدون في النار ولذلك أن يرائي بصورة العبادة كأن يطيل في الركوع والسجود علي خلاف عادته فهذا قد ينقص من ثوابه وأمره مفوض إلي الله تعالي, الرياء ايضا المراءئي لأجله وهو أن يرائي بالطاعة للوصول إلي المعصية كصاحب تجارة أو مهنة يظهر العبادات ويحج بيت الله الحرام فيشتهر بين الناس بالصلاح وكذلك أن يرائي بالطاعة للوصول إلي متاع الدنيا من الأمور المباحة أو خوفا من سخط الناس أو خوفه أن يصغر في أعينهم. ويضيف الشيخ زهران الرياء نوعان رياء جلي ورياء خفي, الجلي هو الذي يكون دافعا للأعمال أو سببا في إظهارها أما الخفي فهو داء مستبطن في القلب أخفي من دبيب النمل لا يكون دافعا للأعمال وإنما يظهر بعد الشروع فيها وهذا الخاطر يجب صرفه دون ابطاء أثناء العبادة أما إذا استقر الخاطر في قلبه فقد يبطل العمل الصالح وقد قيل إن العبادة كالوعاء إذا طاب آخره طاب أوله. وعن علاج النفس بالثناء والحمد وطمعا فيما في أيدي الناس ويوضح ذلك أن رجلا سأل النبي صلي الله عليه وسلم قائلا يا رسول الله الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل ليري مكانه والرجل يقاتل للذكر فقال عليه الصلاة والسلام من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ومن العلاج أيضا مراقبة النفس مراقبة شديدة كما لو كان يراقب عدوا يتربص به مع العلم بأن خير دواء للرياء هو الخفاء مع العلم أن مدح الناس أو ذمهم لا يفيد ولا يضر العبد ما دام عمله خالصا لوجه الله تعالي وكذلك العمل علي دفع السرور الذي قد يعتري النفس من رؤية الناس لعبادته وعمله الصالح حتي لا يقع المحظور وأن يكون السرور هو الفرح بفضل الله ونعمته قال تعالي قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون يونس ومن أهم علاج للرياء اللجوء إلي الله تعالي وسؤاله النجاه من شبهات الرياء وإن مدحه ما دح فليقل اللهم إني أعلم بنفسي منهم وأن أعلم بي من نفس اللهم اجعلني خيرا مما يظنون واغفر لي ما لا يعملون ولا تؤاخذني بما يقولون. ويقول الشيخ إسلام النواوي عضو لجنة تجديد الخطاب الديني بالأوقاف أن الرياء مرض خطير ينخر في قلوب الناس فيجعل الإنسان منافقا دون أن يدري لأنه يفعل الخير لا ليصل به إلي رضا الله ولكن ليتملق به الناس للحصول علي غرض أو طلب وقد حذرنا الإسلام من هذا الأمر لأنه سبب في العذاب فقد ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم إن أول من تسعر بهم النار عالم ومتصدق وشهيد وهي من أفضل الأعمال الصالحة يأتي العالم فينادي خذوه إلي النار فيقول ربي تعلمت العلم وعلمته أين أجري؟ فيقول ربنا تعلمت ليقول الناس إنك عالم وقد قيل أي أخذت ما تمنيت فلا أجر لك عندي وكذلك الشهيد يقول ربي ضحيت بدمي لإعلاء كلمة الحق فيقول ربنا بل فعلت ذلك ليقول الناس عنك شجاع وقد قيل ويقول المتصدق ربي جسدت بمالي للفقراء فيقول ربنا فعلت هذا ليقول الناس عنك جواد وقد قيل هؤلاء الثلاثة أعمال الشريفة ليخدعوا بها الناس مطلع وشاهد فحبط. ويضيف النواوي أن الله تعالي حذرنا من المراءة ومن فعل الخير للوصول به إلي الشر قال تعالي فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراءن ويمنعون الماعون بالرغم من أنهن صلوا إلا أن الله تعالي عنفهم وعاتبهم سهوا عن صلاتهم مرة أو فعلوا صلاتهم ليراءوابها الناس. فيجب علينا أن ننتبه للصدق والإخلاص في أعمالنا وخاصة أننا في مرحلة بناء وطن يحتاج من كل واحد منا أن يفعل أنقي ما في وسعه ولا ينتظر أن يشير الناس اليه.