الفاسدون لا يطيقون كلمة ديمقراطية, إلا لو قيلت علي سبيل المزاح أو ذرا للرماد في العيون, أما أن تصبح حقيقية ولو بأي درجة فإنها تهدد مصالحهم, بل خطر علي وجودهم ذاته, ولهذا فلا مكان للديمقراطية في ظل سيطرة الفساد. إن مجرد انتخاب عمدة في قرية هو تهديد للفساد, ويلحق بالفاسدين خسائر جسيمة, فالانتخاب يعني إلغاء التعيين, الذي يتم من خلال مسئولين كبار, أو بواسطتهم, وهو ما يمكنهم من جمع ثروة لا بأس بها من الراغبين في شغل منصب العمدة, وهذه أول خسارة, يليها أن العمدة المعين يسمع كلام الجهات العليا التي كان بيدها تعيينه, وبيدها أن تقصيه, ولهذا يسمع الكلام وينفذ الأوامر حتي لو كانت ضد مصلحة سكان القرية من الفلاحين والموظفين, فعندما يطلبون توقيعه, فإنه يبصم علي أي قرار أو طلب, وهكذا يمرر أي فساد بكل سهولة, أما عند اكتشاف أي مخالفات في القرية, فإن العمدة المعين مستعد لطمسها إذا مست الكبار, أو تلفيقها لغيرهم إذا تطلب الأمر. لا يهتم العمدة المعين ببيع السماد في السوق السوداء, أو استخدام مبيدات مسرطنة, بل قد يشجعها أو يشارك في ترويجها, أما إغماض العيون عن تحويل الأراضي الزراعية إلي أراضي بناء فهو نشاط يدر أرباحا خيالية تفوق عوائد المخدرات عشرات المرات. هذه نبذة مختصرة لما يمكن أن يفعله العمدة الذي يتم اختياره بالتعيين, بينما الانتخاب سيكون بمثابة مقامرة كبيرة بالكثير من المكاسب, فماذا سيكون الحال في حالة انتخاب رؤساء الأحياء والمدن والمحافظين؟, سيكون كابوسا مروعا بكل تأكيد أن تأتي هذه المناصب بالإرادة الشعبية, وأن يكون هدف العمدة ورئيس المدينة ورئيس الحي والمحافظ هو المصلحة العامة, وتوفير الخدمات, والتأكد من المواصفات, وعدم التعدي علي أملاك الدولة وحماية الأراضي الزراعية وغيرها من المهام التي تغلق أو تضيق أبواب الفساد, لهذا جري تعديل النص الخاص بانتخاب القيادات المحلية, وتمت إضافة كلمة أو بالتعيين بعد النص علي بالانتخاب, لتصير أو التعيين هي القاعدة, بل الممكن الوحيد, لأننا شعب غير جدير بانتخاب ممثليه, فالمؤكد أننا سننتخب إرهابيين أو شخصيات غير وطنية وضعيفة الكفاءة, ولن نري النماذج الناجحة للمحافظين, مثل المحافظ الذي يلتقط صورة لنفسه مع بيضة مؤمنة تحمل اسم لفظ الجلالة, أو صاحب نظرية ارتداد الصواريخ إلي أماكن انطلاقها بفعل الرياح الشمالية الغربية أو المحافظ الذي يدفع40 ألف جنيه لغداء وزير الثقافة وغيره كثيرون من المحافظين الذين أبهرونا بنجاحهم وعبقريتهم إلي درجة تفوق العقل. نظرة سريعة إلي عمليات تجديد أرصفة الشوارع, التي تجري بشكل سريع وغير مبرر, تؤكد أن عمليات التبديد تجري علي قدم وساق, فعمليات التجميل الوهمية تدر أموالا علي منفذيها ومقاوليها ووسطائها, بينما في الشارع نفسه قد تجد بالوعة مجار مكشوفة منذ شهور, يمكن أن يسقط فيها أطفال, بل أشخاص كبار, وتسبب حوادث سيارات, ومع ذلك فلا يتم انفاق عدة جنيهات من أجل اصلاحها, لأن اصلاح بالوعة أو ردم حفرة في الشارع لن يدر أي ربح علي رئيس الحي أو المدينة أو المحافظ. هكذا يحتاج الفساد إلي الظلام والتكتم والتشكيلات العصابية التي تجني المكاسب علي حساب الشعب, ولهذا فإن الديمقراطية خطيرة علي مصالحهم, ولا يمكن الأخذ بها, لأن الديمقراطية ضارة وشديدة الخطورة, وستأتي بالمكاشفة, وبعرف الناس ما يدور خلف الكواليس, وهو ما يفتح الباب للمحاسبة والعياذ بالله, ويفقد الفاسدون موارد مهمة للمكاسب والثراء, فهل يمكن أن نري ديمقراطية حقيقية في ظل سيطرة الفساد؟؟ بالطبع هذا مستحيل ولو بعد قرون.