الشهر الماضي انقضي يناير هذا العام ليكون ما تعارفنا علي تسميته بحراك الربيع العربي قد أكمل عامه الخامس وبالتالي بلغة المناطقة الظاهرة قادرة علي البوح عن نفسها. ولعل هذا البوح الربيعي يتأتي أولا من كم الاتهامات التي وجهت اليه كحدث اجتماعي سياسي وإلي منظميه ومن قاموا به باعتبارهم مستأجرين ومرتزقة تحركهم ايادي الخارج وهذا اتهام باطل. لأن آفة حارتنا النسيان كما قال استاذ الجيل نجيب محفوظ بتنا مطالبين بتنشيط الذاكرة العربية المثقلة ببداية موجات الربيع العربي بدءا بثورة الياسمين في تونس في71 ديسمبر عام1102 عبر شرارة محمد البوعزيزي التي اطلقها بجسده المحروق حين قامت الشرطية فادية المحمدي بمصادرة العربة التي يعتاش عليها, وانتهاء بشوارع تونس المشتعلة الآن. وهنا يتأكد تزامن اسباب اندلاع الاحتجاجات وهي غياب العدالة وضياعها لذا لا عجب حين توحدت شعارات الاحتجاجات في كل ميادين وشوارع البلاد التي شهدت احتجاجات. بعد ميلاد الظاهرة ثار جدل حول المسمي الذي يناسبها, فقد كانت حركة الشعب أسبق من بلادة النظم التي سقطت وكانت ايضا اسبق من عقلية النخب. بالتالي هناك من قال انها انفلونزا سياسية تنتقل من دولة الي اخري, وهناك من قال انها زلزال سياسي, حتي تم الاتفاق علي مسمي الربيع العربي. ولعل الذين ثبتوا هذا المسمي استدعوه من حراك النموذج الشيوعي القديم ضد النموذج الماركسي في جهوريات الاتحاد السوفتي القديمة. أو استدعوا نفس المسمي من البلاد التي عاشت الفاشيستية مثل البرتغال, اسبانيا, وغيرها. لكن الحقيقة ان هذا المسمي لا يلائم الحالة العربية سوي في جزئية واحدة تخص من قاموا بها وهم الشباب العربي الذي كان محركا ووقودا لها. ولعل هذا ما يؤكد براءتها باعتبار هؤلاء الشباب لم يتلوثوا بعد. انطلقت تلك الموجات الانتفاضية من تونس الي مصر في الخامس والعشرين من يناير لتشكل رأس الموجة العاتية التي تطيح بنظام استبدادي فاسد عمره يزيد علي ثلاثين عاما. وتوالت الانتقالات الي اليمن في72 يناير لتتطور في الحادي عشر من فبراير1102 وتنتهي برضوخ علي عبدالله صالح لإرادة الشباب والتوقيع علي المبادرة الخليجية التي تم بموجبها بتسليم السلطة الي نائبه عبدربه منصور هادي. وهنا نحن امام حراك شبابي حتي لو انضم علي محسن الاحمر للثورة لكنه انضمام لاحق وليس سابقا. وهكذا توالت الحالات في ليبيا في51 فبراير1102 بعد مواجهات الثوار مع قوات القذافي في بنغازي. لكن حدث شيء لا يمكن تجاوزه لأنه سيكون مهما في قراءة الحالة بعد خمسة اعوام وهو دخول المجتمع الدولي متمثلا في قرار مجلس الامن يوم81 مارس1102 حين اصدر مجلس الامن قرارا يفرض حظر جوي فوق ليبيا. ثم تطور الأمر يوم91 مارس حين شنت امريكا وفرنسا غارات علي مواقع تابعة للقذافي. هذا المتغير يفتح بابا مهما للكلام علي نظرية المؤامرة. وهنا استدعي هذا المثل الفرنسي ان انطلاق القطار لا يعني انك لن تتمكن من ركوبه ومقصود المثل انك يمكن لك ان تنتظره عبر محطاته اللاحقة علي الانظلاق وهذا ماحدث. لأن دخول المجتمع الدولي علي خط حراك الشعوب اعطي فرصة قوية لانصار نظرية المؤامرة للترويج لهاخصوصا من قبل الطبقة المهزومة او ما تعورف علي تسميتهم فلول الانظمة الساقطة, في محاولة منهم لتبرير الهزيمة وتقليل من قيمة المنتصر. ما حدث للقذافي في الثورة الليبية لم يحدث لبشار الأسد في الثورة السورية, تلك الثورة تماهت مع طهر اطفال درعا الذين أطلقوها وكما تشابه جيل البوعزيزي في تونس مع جيل شباب ثورة52 يناير في مصر فإن جيل اطفال سوريا لحق بهم ايضا, هذا الجيل الذي لم يتعلم بعد الخنوع الذل والقتل والتنكيل الذي ارتبط بعائلة الاسد الإجرامية منذ ولاية الاسد العجوز عام71 حتي ولاية الاسد الصغير. لذا كانت مظاهرات جمعة81 مارس1102 والتي حملت اسم جمعة الكرامة بأن الثورة السورية هكذا, ثورة الكرامة ضد كثير من الاستبداد ودموية النظام الاسدي. وهنا علينا ان نستحضر تدخلين خارجين في إطار تفنيد نظرية المؤامرة, المجتمع الدولي لم يتصرف مع بشار الاسد كما تصرف مع القذافي رغم ان كم الجرائم والمذابح والجبروت الذي ارتكبه الاسد اكبر بكثير من مما ارتكبه القذافي مع تجريم وإدانة الحالتين. فسرعة تدخل المجتمع الدولي ضد القذافي ونظامه انتقصت من حراك الشعب الليبي وتأخر تدخل المجتمع الدولي وتواطئه اكد المؤامرة ضد الثورة السورية وضد الشعب, فانحياز المجتمع الدولي مع او ضد حراك الشعوب العربي اضر أكثر مما افاد. وأكد ارتباطات النظام العالمي وتشابكاته بديكتاتوريات المنطقة والدفاع عنها عبر حلفائه. سقوط الأيديولجيات بلا استثناء كل الدول التي شهدت حراكا ربيعيا ثوريا شعبيا شهدت موجات وتوابع للزلزال الاول خصوصا مصر التي جاءت ثورة03 يونيو بنفس الكيف والكم الذي شاهدناه في52 يناير لتسقط ايديولجية تنتمي الي الاسلام السياسي وهي الاخوان المسلمين. هذا يتماشي تماما مع خصائص الموجة الأولي في تونس ومصر وغيرها وهي ان هذا الحراك لم يكن مؤدلجا, كان خاليا من أي أيديولوجة خصوصا في البداية لأن في الحالة المصرية كان الإخوان والسلفيون لاحقين علي يناير بل ركبوا الموجة وجنوا الثمار ودخلوا في صفقة مع المجلس العسكري الحاكم وقتها ادت في النهاية الي توليهم السلطة في مصر. إذن ثورات الربيع العربي كانت خالية من الايدولوجية ولما حاولت احدي الايدلوجيات سرقتها طورت هذه الاحتجاجات نفسها في موجة جديدة واسقطتها كما في الحالة المصرية و التونسية. المؤامرة علي حراك الشعوب وليست من الشعوب ما حدث في سوريا مؤامرة علي إرادة الشعب, هذه المؤامرة جاءت من تحالف ايراني روسي لتحويل ذلك الحراك من ثورة الي صراع بين تشدد سني تقوده النصرة وداعش وتشدد شيعي يقوده حزب الله اللبناني الذراع العسكرية لايران في المنطقة. وسيؤكد التاريخ ان الشعب السوري ضرب مثالا في الصبر والصمود اذا ما قورن بشعوب الربيع العربي الاخري. هو نفس العبث وإرباك أوراق اللعبة في اليمن عبر الورقة الحوثية التي لطالما حركتها الايادي الايرانية. الشيء الآخر المهم هو ان حراك هذه الشعوب في خماسية الربيع العربي يراه كثيرون من كبار المفكرين العرب أمثال سعيد بن سعيد العلوي وغيره باعتباره حلقة اتصال تعاود الربط والاتصال بفكرة النهضة العربية الأولي.