من يتابع الموقف في منطقة الخليج العربي, خلال الآونة الأخيرة, يجد نفسه أمام تحركات نشطة, علي مستويات عديدة, فبينما تهرول عشرات الشركات الغربية والآسيوية, وكبار المسؤولين في الصين والهند وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وغيرها في اتجاه العاصمة الإيرانيةطهران بعد بدء رفع العقوبات الدولية عنها, فإنه يبدو أن طهران تركز علي نحو واضح علي دعم وتطوير علاقاتها مع الضفة الأخري لمضيق هرمز الاستراتيجي,أي مع سلطنة عمان, في كل المجالات تقريبا,وهو ما ترافق في الواقع مع زيادة حدة التوتر بين إيران والسعودية, سواء حول اليمن, خاصة منذ عاصفة الحزم التي يقوم بها التحالف العربي بقيادة السعودية ضد الحوثيين المرتبطين بعلاقة وثيقة مع إيران,منذ مارس2015, أو حول سوريا والخلافات بين الجانبين بشأن الموقف من الرئيس السوري بشار الأسد ومدي إسهامه في الخطوات المنتظرة لحل الأزمة السورية, ومن التدخل الإيراني في سوريا,وكذلك حول التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للبحرين وحتي السعودية. وبينما ساعدت مسقط في إخراج شحنة من الماء الثقيل من إيران,في أوائل فبراير2016, وذلك بطلب من أمريكاوإيران,اللتين تحظي بثقتهما, وللمساعدة أيضا في تنفيذ الاتفاق بين إيران ومجموعة(5+5) فان مجموعة الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بين إيران وسلطنة عمان,خاصة بعد زيارة السلطان قابوس لإيران,في مارس2013, كأول رئيس دولة عربي يزورها بعد تولي الرئيس روحاني للسلطة,وزيارة روحاني لسلطنة عمان كأول دولة عربية يزورها عام2014, مجموعة الاتفاقيات تلك,أثارت نوعا من العتاب, المبطن حينا والواضح حينا آخر من جانب بعض وسائل الإعلام الخليجية, أو المحسوبة علي دول خليجية, للموقف العماني حيال إيران,ووصل العتاب إلي حد الشطط أحيانا عندما أشار البعض إلي إمكانية انفراط عقد مجلس التعاون الخليجي,وذلك من خلال صيغة(6+1) أي بانضمام اليمن إلي مجلس التعاون,أو صيغة(6 1) أي خروج عمان من مجلس التعاون بسبب سياساتها الاستقلالية ومواقفها التي يري فيها البعض تغريدا خارج السرب الخليجي,او وقوفا في المنطقة الرمادية بين إيران والسعودية,أو حتي تسهيلا للسياسات الإيرانية كما زعم البعض,وإذا كانت عمان لم تهتم بمثل هذه الشطحات كعادتها, ثقة ويقينا بأن الحقيقة كفيلة بتبديد كل ذلك في النهاية, وهو ما حدث من قبل مرات عدة, مع الوضع في الاعتبار أن الفهم والتقدير غير الصحيح للمواقف والسياسات يمكن أن يؤدي إلي نتائج خاطئة وسلبيات تنعكس علي السياسات بين الأشقاء. من الواضح أن هناك اندفاعا إيرانيا نحو عمان, وهو أمر لا يتم من اجل عيون عمان بالطبع, ولكن له أسبابه العملية بالتأكيد علي كلا الجانبين, الإيرانيوالعماني أيضا, خاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن العلاقات العمانيةالإيرانية هي علاقات قديمة وممتدة, غير أن الاقتراب الإيراني من عمان يفوق في مداه وتنوعه النمط الذي سارت عليه العلاقات العمانيةالإيرانية علي امتداد العقود الماضية. صحيح أنها كانت دوما علاقات طيبة ووثيقة, فعمان تدرك أهمية علاقاتها مع إيران, مثلما تدرك أهمية وأولوية علاقاتها مع السعودية ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية, وهو ما أكد عليه السلطان قابوس من سنوات طويلة. ولكن الصحيح أيضا انه يبدو ان طهران تريد استثمار رفع العقوبات الدولية عنها والاستفادة من الموقع الاستراتيجي لعمان والفرص الاستثمارية الكبيرة المتوافرة في سلطنة عمان, خاصة وان السلطنة ترحب بكل الاستثمارات مادامت أنها غير محملة بأهداف أو بظلال سياسية من أي نوع, وهو مبدأ تطبقه عمان علي إيران ودول مجلس التعاون والدول الأخري في العالم دون استثناء. والحديث متصل في المقال القادم.