كان عمر بن عبد العزيز يستمع لمعارضيه قبل موافقيه, وهكذا كل حاكم عادل يؤمن بحق الأمة في النقد وفي الاختيار...ويحمل مشروعا لنهضتها. يضر مسار ما بعد يونيو جوقة المزايدين الذين لا يتقبلون نقدا, والذين يدعون ملكية أكبر من الملك, فلا يطيقون اختلافا أو اجتهادا يريدون تصفيقا فقط, ومصر ليست كذلك ولم تكن يوما تريد أو تطيق ذلك.. شعبها الساخر يحمل أسلحته فكرة وفكاهة لاذعة وأبطاله يحملون قلوبهم ضد المستبد والمستعمر مقاومة وتحررا وضد الإرهاب دحرا. إنه شعب مصر الذي قام بثورتين وأسقط حكمين! وخاض مع الإرهاب والعنف باسم الدين أشرس المعارك منذ سبعينيات القرن الماضي. مصر مليئة بالكفاءات والقدرات التي تحتضنها كبري المؤسسات في العالم ولكن لا يعرف بعض أهلها قدرها بعد, مع إعلام ينحدر سجالا واتهاما لمستويات غير مسبوقة, فيضر الصورة والحقيقة معا.. مصر كانت بداية نهضة العرب, وكانت رافعة راية الاستقلال والتحرر في الشرق الأوسط, تستحق الكثير.. مصر كانت المأوي حين فر النهضويون الشوام من ظلم الأتراك والأحكام الملية وحكم الجزار لم يجدوا سوي مصر صدرا متسعا لهم, احتضنهم وآمن بمواهبهم وفجر طاقاتهم فكان سليم تقلا وبشارة تقلا كما كان قبله أديب إسحاق وجورجي زيدان وآل اليازجي وغيرهم من كل اتجاه. مصر تتسع للجميع, تحتضن الجميع, وتملك قيما وتراثا يرتفع فوق الردح والعامة, فمن هذه الأرض كان شعر شوقي وحافظ وكان شعر بيرم وصلاح جاهين, وكان صوت الشيخ محمد رفعت وصوت أم كلثوم وكل أصوات السماء والمبدعين والشعراء. ينبغي علي الحكومة وعلي الحكم أن يدرك حقيقة هذا الشعب, طاقاته وقدراته, أحلامه قبل آلامه, إذا ارتضاه وقبله سيرفعه علي رأسه كما رفع محمد علي وعبد الناصر وظل يحب السادات بطل أكتوبر ويذكره. عليه ألا يستمع لجوقة النفاق التي تسفه له معارضيه, وتتهم منتقديه منطلقا من روح ثورة يناير ومدركا لشعاراتها وسعيدا بأحلامها ساعيا لتحقيقها.. ومدركا لقدرة هذا الشعب القادر علي التمرد والقادر علي الحلم والأمل. أجاد الرئيس السيسي حين أعطي لشهداء يناير وشبابها قدرهم ردا علي المسفهين لها والمتهمين لأحلامها الرافضين لشبابها وطموحاتها, حتي شاهدنا نائبا يتميع في تلاوة القسم النيابي بحجة أنه لا يبتلع يناير! فصل الرئيس السيسي مع هؤلاء في لغة واضحة قرأها كما ينبغي, قال لهم اذهبوا بنفاقكم فالنفاق يقع بأصحابه ومن يقبله.. أشار الرئيس وأكد الربط بين ثورتي يناير ويونيو وما حملته كل منهما من المعاني العميقة التي تغني لنهضة مصر والمصريين, وطنا ومواطنة للجميع وليست لعشيرة ولا فئة ولا جماعة ولا قطاع معين منها. شعاراتها وأحلامها وحياتها كانت حرية وكرامة وعدالة اجتماعية كانت شعاراتها تحمل الكثير من الأمل وكانت الأكثر زخما عربيا ودوليا وإن استلهمت تجربة الأشقاء في تونس وتأثرت بها قبل أيام من صعودها مع هروب زين العابدين بن علي في14 يناير سنة2011 بعد ثمانية وعشرين يوما فقط من إحراق البوعزيزي نفسه وانطلاق لهيب غضبه الذي لم يقف عند تونس بل اشتعل في أغلب المواطنين والدول العربية معه. كانت ثورة بلا رأس, فكثرت رءوسها..وتنازعت ففشلت في تحقيق كثير مما تمنت, وابتلعتها المجموعات الأيديولوجية المنظمة التي لم تضبط نزعتها للاستحواذ علي السلطة أرادتها كلها لها فكانت يونيو..لم يشاركوا الناس أحلامهم وحضورهم وآمالهم في وطن للجميع. لذا حرروا الأحلام وارفضوا النفاق.. ليس طبيعيا بعد ثورتين أن يتهم رجل قال ثمة فساد في مصر كالقاضي الشريف المحترم هشام جنينه؟ ليس طبيعيا أن يتهم وأن يخون من يرفض قانونا يغضب ستة ملايين مصري كقانون الخدمة المدنية, اتفقنا معه أو اختلفنا..! نحن بحاجة للتصحيح والتنقية حتي تتحقق نهضة هذا الوطن للجميع..