مدينة تنيس الفرعونية التي تعرضت إلي زلزال مدمر وتكونت علي أنقاضها بحيرة المنزلة يبدو أن لعنتها ظلت تحيط بالبحيرة حتي الآن حيث تحولت البحيرة من باب للرزق إلي بحيرة لسفك الدماء, بعد أن شهدت دماء الآلاف من الصيادين البسطاء الذين يسعون علي رزقهم بعدما سيطر علي البحيرة أكبر وأشهر المسجلين خطر بمصر وأقاموا بها أكبر أوكار البلطجة وشكلوا العصابات التي تتسلح بأحدث أنواع الأسلحة والذخيرة, فضلا عن مصانع أسلحة لا حصر لها. وكانت البداية منذ عشرات السنوات عندما بدأت حلقات مسلسل قتل الصيادين من قبل عصابات البلطجية داخل البحيرة لسرقة أغراضهم الشخصية وأدوات الصيد وأرزاقهم بشكل يومي وهو الأمر الذي زاد بشكل كبير بعد ثورة25 يناير. ففي بحيرة المنزلة( تنيس)سابقا تقع العديد من التلال والمواقع الأثرية المتناثرة داخل البحيرة والتي تبلغ22 وأشهرها8 تلال أثرية منها تنيس ومعيبد وابن سلام ولجان وقد طالتها أيادي مافيا التعديات.. التي تمثلت في بناء المساكن والزراعة فوق التل أو الاستيلاء علي مساحات منها وتحويلها إلي مزارع سمكية, وهناك العديد من أصحاب النفوذ من المعتدين علي البحيرة يقفون وراء عمليات للتنقيب عن الآثار التي تعاني من التعديات منذ ما يزيد علي40 عاما. ويقول عبد الكريم الرفاعي شيخ الصيادين بالبحيرة إن هذه التلال الأثرية تتبع عددا من المحافظات التي تطل عليها البحيرة وهي الدقهلية ويتبعها تل( عبدالله بن سلام أولاد إسماعيل الواقع شمال المطرية), ومحافظة بورسعيد التي يتبعها إداريا أكبر تلال علي الإطلاق وهي( تنيس معيبد لجان), أما محافظة دمياط فيتبعها إداريا( الدهب الخصين), أما تل صان الحجر فيتبع محافظة الشرقية. ويضيف أن تل تنيس الذي يبعد عن مدينة المطرية بحوالي20 كيلومترا وعن بورسعيد بحوالي8 كيلومترات ويتبع الأخيرة إداريا هو أكبر وأشهر التلال الأثرية في بحيرة المنزلة, ورغم أن مسافة الحرم القانوني للتل تبلغ500 متر إلا أن هناك الكثير من المتعدين علي البحيرة.. ومنهم خفراء الآثار والذين أقاموا منازل يقيمون فيها مع أسرهم علي شاطئ البحيرة في تعد واضح وصارخ علي التلال الأثرية. وأشار إلي أنه من أشهر المعتدين مجموعة من الأفراد والأقارب أطلقوا علي أنفسهم اسم الشهرة يدعي الشجعان وآخرون أطلقوا علي أنفسهم اسم الشبان, لافتا إلي أنهم يعتبرون من أخطر المعتدين علي تل تنيس بالزراعة والبناء واستحواذا علي مساحات شاسعة من البحيرة ويسيطرون عليها بالأسلحة الآلية ويقومون بالتنقيب عن الآثار بها.. بالإضافة إلي عدد من أسر الصيادين الذين جاءوا من قريتي الروضة والنسايمة بمركز المنزلة ويعيشون علي تل تنيس بجوار البحيرة ويربون المواشي والحيوانات هناك ويوفرون طعامها من الحشائش والزراعات في المناطق المعتدي عليها من التل أو المناطق القريبة. وفي جولة بحرية ل الأهرام المسائي داخل البحيرة روي حسن الشوا نقيب الصيادين بالمنزلة حكاية تل معيبد حيث وجدنا غرفة مغلقة علي شاطئ البحيرة قرب التل مدون عليها ما يفيد أنها استراحة تابعة للمجلس الأعلي للآثار.. وعلي الرغم من ذلك فهو من أشهر التلال المعتدي علي مساحات كبيرة منه.. وعلي مسافة بسيطة تتعدي بضعة مترات وتحديدا علي شاطئ البحيرة الملاصق له يوجد تل لجانة الذي يشهد أكبر مساحات للتعديات من أكبر وأشهر البلطجية المسجلين خطرا في بحيرة المنزلة والذين يحوزون السلاح ويخترقون القانون بجميع الطرق وهو يشبه جزيرة داخل البحيرة.. ويقول مختار أفندينا من أهالي المطرية إن تل عبدالله بن سلام داخل بحيرة المنزلة مشيد فوقه مسجد قديم مغلق منذ ما يزيد علي70 عاما يسمي مسجد ابن سلام كما توجد جبانات قديمة متهالكة بسبب رطوبة وملوحة التل حتي أنها تحطمت وظهر فيها عظام الموتي وهي متروكة مأوي للذئاب والكلاب الضالة والحيوانات الشرسة وعلي حالها منذ500 عام. فيما قال طه الشريدي نقيب الصيادين بالمطرية في رحلاتنا المعتادة علي متن محركات مراكبنا تجد مناطق عدة للمرور بها بالبحيرة مثل منطقة تل ابن سلام التي تجد صعوبة للسير بها بسبب التعديات والأراضي التي تكونت داخل البحيرة والأراضي الزراعية التي تجمعت بجوار بعضها ويمتلكها مجموعة من البلطجية ولا يوجد سوي طريق ضيق للمرور ذهابا ومثله للعودة وعند تل ابن سلام أو مايعرف عند الصيادين بمنطقة البيجوم ذلك التل الأثري الذي ظهر أمامه ضريح للصحابي عبد الله بن سلام وتجد مشهدا غريبا فعلي بعد2 كيلومتر فقط تظهر منطقه سكنية بها كهرباء ومياه ومدارس وسط البحيرة مستغلين المنطقة علي حافة التل في الزراعة. يقول محمد رزق أحد أهالي تل بن سلام إن بحيرة المنزلة أصبحت مقسمة حاليا إلي مناطق نفوذ تسيطر عليها العصابات حيث تحتوي علي اخطر10 عصابات لكل منها منطقتها الخاصة ولا يجوز التعدي علي الأخري. ووصلنا إلي منطقة تل لجان وكأننا أمام منطقة ريفية منازل بالطوب وأبقار وأراض زراعية ونخيل وأدوات للبناء ومساجد ونساء وأطفال وأطباق استقبال قمر صناعي وكهرباء ومياه عن طريق البطاريات. وفي طريقنا إلي منطقة العجايبة أخطر مناطق العصابات بالبحيرة كان المشهد ليس أقل من سابقيه ولكن الجديد هو دوي طلقات النيران التي لا تتوقف عن المكان وهنا رفض مرافقنا في الرحلة أن ندخل المنطقة لأن العصابات لا تترك أحدا يدخل ويخرج علي قدميه وطلقات النيران أكثر تعبيرا. وانتقلنا إلي منطقة الجميل الفاصلة بين البحيرة والبحر المتوسط وشاهدنا البغازين الفاصلين القديم والجديد وكانت منطقة الجميل هي أكثر المناطق أمنا في البحيرة علي الرغم من كونها سابقا معبر دخول السلاح من خلال الكوبري الحدودي الذي يفصل بحيرة المنزلة عن البحر المتوسط لكن الآن انتهت عمليات التهريب. و يقول إبراهيم أبو شامة أحد الصيادين كنا في السابق ننادي بتطهير البحيرة من التعديات لكن اليوم لا يهمنا سوي تطهيرها من العصابات المسلحة. وأضاف السعيد ابراهيم( أحد الصيادين) أن المعتدين علي تلال البحيرة مسلحون بأحدث الأسلحة, كما أن لديهم كاميرات مراقبة خارج المنازل والأحواش يستطيعون الكشف عن كل من يسير خارج البحيرة ويمر بجوارها وعندما يشكون في شخص يطاردونه بمحركاتهم السريعة للغاية أما الغريب طه, صياد, فقال إن المنطقة الأكثر أمانا هي الجميل ولكن المسطحات تمنعنا من الصيد فيها بحجة أنها محمية طبيعية وتقوم شرطة المسطحات بمصادرة أدوات الصيد. ويحكي لنا يوسف إبراهيم أنه في السبعينيات كانت هناك نقطة عسكرية داخل تل ابن سلام وكان الوضع في البحيرة أخطر من ذلك وتدخلت القوات المسلحة فقامت بحملة وفي خلال أسبوعين قضت علي كل الخارجين عن القانون ولو قامت أجهزة الدولة بتطهير البواغيز وفتحها وإدخال المياه المالحة ستقضي علي الحشائش والتعديات ويتم إنشاء مصنعين علي البحيرة أحدهما للورق والآخر للطوب من منتجات البحيرة من غاب وطين وبذلك يتم حل كل المشاكل لكن لا أحد يسمعنا. فيما قال سامح الزهار مسئول الوعي الأثري والتنمية الثقافية بمناطق آثار شمال الدقهلية إن هناك خطة تم وضعها لتأمين المواقع الأثرية بمناطق آثار الدقهلية مؤكدا أنه سيتم التنسيق مع مديرية امن الدقهلية للتعاون في تأمين المناطق الأثرية بشكل عام وتوزيع الخدمات الأمنية علي المنطقة بالكامل واتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية. وأضاف أنه سيتم وضع نظام لتيسير عمل الخدمات الأمنية مؤكدا أن حماية المواقع الأثرية هي واجب وطني علي كل فرد ولا يمكن لمؤسسات الدولة أن تقوم بها بدون المشاركة المجتمعية. وأوضح أنه تم التشديد علي رفع حالة التأهب القصوي وعمل نوبتجيات مجدولة بين مفتشي الآثار بحيث يكون التواجد من المفتشين طوال فترات اليوم وليس في مواعيد عملهم فقط وذلك لمنع وقوع تعديات علي الآثار الثابتة كإجراء احترازي للحيلولة دون وقع أي تجاوزات.