إذا كان القرآن الكريم هو أفضل مدونة قانونية وإذا كانت الشريعة الاسلامية يمكن تطويعها لخدمة أغراض الناس. فهل يمكن التوفيق بين الشريعة والقانون؟! وما هي الحدود والمجالات التي يمكن فيها الاجتهاد لتنظيم حياة الناس وعلاقتهم ببعض؟! وهل من الممكن أن تتغير بتغير الأماكن والأزمان؟! علماء الدين الحنيف يجيبون عن هذه الأطروحات في الأسطر التالية. في البداية يوضح الدكتور صبري عبد الرءوف أستاذ الفقه المقارن جامعة الأزهر أن جميع القوانين الأصل فيها أن تستمد من أحكام الشريعة الإسلامية, والتي تطبق علي أصحاب الشرائع الأخري باعتبار أن الشريعة الإسلامية إنما جاءت خاتمة لجميع الشرائع والرسالات السماوية, وما جاء في شريعة الإسلام هو المتمم لها جميعا قال تعالي شرع لكم من الدين ما وصي به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به ابراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين صدق الله العظيم, وهذا يؤكد أن هدي الشرائع واحد وهو تطبيق شرع الله عز وجل, وكان الواجب الا يتعارض القانون مع أحكام الشريعة الإسلامية ولأن القوانين الوضعية مستمدة من القوانين الأخري فإنها تخالف في كثير من أمورها. وأضاف د. عبد الرءوف أن الشريعة الإسلامية تقيم الحدود بضوابط وأحكام معينة, والذي يقيمها الحاكم بعد التيقن من إثبات الجريمة علي من خالف شرع الله, بعكس القوانين الوضعية التي تختلف باختلاف المجتمع الذي تستمد منه هذه الأحكام, سواء تعلق ذلك بعقوبة الزنا أو السرقة أو شرب الخمر أو ما شابه ذلك, فنجد تعارضا شديدا بين الشريعة والقانون, ولو أننا نظرنا إلي رسول الله لوجدناه قد أقام الحد علي الزاني والزانية بعد اعترافهما ولولا اعترافهما لما كان هناك حد يطبق علي أحد من الناس. وفي جرائم القتل مثلا الإسلام أوجب القصاص من القاتل العمد بينما القانون يقضي بالسجن المؤبد أو ما شابه ذلك من عقوبات مخالفة, لهذا نري أن تطبيق الشريعة أولي بالاتباع لأنه يطبق علي الجميع من غير مجاملة أو محاباة. ويقول الدكتور محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية, أن التوفيق بين شيئين أو أشياء إنما يكون من خلال وجود قواسم مشتركة ثم يكون التنازل في جانب شيء لجانب شيء آخر, وكذلك العكس, وهذا هو المتصور لمعني التوافق فإذا طبقنا هذا المفهوم في مجال الشريعة والقانون الوضعي لا يمكن التوافق في جانب الحدود مثلا, لأنه لا يتصور التنازل عن شيء من العقوبة المحددة التي تسمي اصطلاحا الحدود لكي يكون موائما للقانون الوضعي المصري أو غيره, فمثلا نجد أن المادجة رقم247 من قانون العقوبات المصري تنص علي المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس لمدة لا تزيد علي سنتين لكن لزوجها أن يوقف ترتيب هذا الحكم برضائه بمعاشرتها له كما كانت, فكيف التوافق بين هذا النص القانوني والعقوبة التي قدرها الشارع لجريمة الزنا, قال تعالي الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة, وهذا في عقوبة الزانية وكان كل منهما غير متزوج فإذا كان كل منهما متزوجا كانت العقوبة هي الرجم. ويتساءل د. عثمان هل يمكن التوفيق بين هاتين العقوبتين وكذلك في جريمة السرقة فكيف نوفق بين العقوبة التي حددها الشرع, وهي قطع يد السارق, يقول تعالي والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم فكيف أن نوفق بين هذه العقوبة والعقوبة السالبة للحرية الحبس. ويشير إلي أن التوافق في مجال آخر من العقوبات غير عقوبة القصاص والحدود, ومعني القصاص أن يفعل بالجاني مثلما فعل بالمجني عليه في القتل والجراحة فإذا قتل إنسان إنسانا عوقب بنفس الفعل, وهو القصاص والمعبر عنه في القانون بالإعدام. وفي الجراحة يعاقب أيضا بالجرح إذا لم يكن مؤديا إلي موته. ويؤكد د. عثمان علي عدم التوافق مع التشريع الإلهي في عقوبة القصاص, وهي قتل القاتل إذا كان القتل عمدا, ولا يشترط الشرع في الجريمة أن يكون هناك ترصد أو سبق إصرار كما يشترط القانون, فإذا لا يمكن التوافق بين العقوبة الشرعية والعقوبة, وأما الحد بالعقوبة المقدرة حددها الشرع لجرائم تؤثر بشدة في حياة الفرد أو الجماعة أو الدولة أو تنزل بمرتبة الانسان من كونه عاقلا مدركا للخير والشر إلي مرتبة من لا يعقل كما في جريمة شرب الخمر. أما المجال الثالث من مجالات العقوبات في الإسلام وهو يسمي اصطلاحا بعقوبة التحذير يقول د. عثمان إنه المجال الوحيد الذي يمكن التوافق فيه بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية ومرجع, ذلك إلي أن عقوبات التعزير لم يحدد لها الشرع مقدارا معينا كما هو في القصاص والحدود وإنما ترك أمر التقدير للحاكم والقاضي والمجتمع يقدر فيها العقوبة المناسبة, وذلك ميدان واسع فالغرامة المالية والحبس والجلد ونحو ذلك. ويضيف أن كل ما يدخل في مجال تنظيم حياة الناس وقائم ببعض وعلاقاتهم بالحاكم وعلاقة الحاكم بأفراد الشعب يقبل الاجتهادات, ويمكنه أن يتغير بتغير الأزمان والأماكن بين الحين والحين بشرط ألا يحل حراما ولا يحرم حلالا فمثلا الشرع لا يمنع الانتخاب واشتراك المرأة في المجالس النيابية أو الإدلاء بصوتها في الانتخابات ولا يمنع وجود النساء في النشاط العام مع الرجال بشرط أن يكون ذلك قسما بمكارم الأخلاق, ولا يتصادم مع أدب من آداب الإسلام, وكذلك المجال الاقتصادي لا يوجد تصادم في الشرع مع أي تنظيم اقتصادي طالما أن النظام الاقتصادي مضبوط بقواعد الشرع, فلا يباح معاملة فيها ربا أو تعزير أو خداع أو تدليس, فإذا خلت المعاملة المالية من المحرمات في هذا المجال فأي نظام تتبعه الدولة أو الجماعات مباح حسب القاعدة الفقهية فالأصل في الأشياء النافعة الإباحة ما لم يرد حذر. وأوضح أن التعزيرات شاملة في قانون العقوبات الجنح والمخالفات في الغالب. ويري الدكتور رجب عبد المنعم أستاذ القانون الدولي بكلية الشريعة بالدقهلية إمكانية التوفيق ما بين الشريعة والقانون من خلال إعمال الفكر في الشريعة الإسلامية بأخذ ما ينفع الناس في حياتهم من خلال ما نص عليه الشرع من أساليب لتحسين علاقات الناس لبعضهم البعض وعلاقاتهم بدولتهم ومؤسساتها, فضلا عن أخذ الأحكام الشرعية وتطبيقها علي ما يصول منه مشكلات بين الناس من خلال البحث عن الحلول في القرآن الكريم والسنة النبوية وما توصل إليه أهل العلم من خلال أسلوب الاجتهاد أو القياس أو لاستحسان أو الاستصحاب أو سد الذرائع أو العرف الصحيح وليس الفاسد أو الحيل الشرعية التي تستخدم في المعارك أو الحروب أو الحيل الاقتصادية لحل المشكلات الاقتصادية أو الحيل العلمية التي تستخدم في مجال التطبيق العلمي, موضحا أن القرآن الكريم يعتبر أفضل مدونة قانونية في العالم حوت النصوص القانونية التي لو حسن تطبيقها من قبل الحاكم لتغير حال الناس في الدنيا حيث إن الشريعة الإسلامية يمكن تطويعها لخدمة أغراض الناس من خلال تقديم ما جاء بها من نصوص عقابية أو معاملاتية, وبالنسبة للعقوبات في القانون فالأمر يحتاج لاجتهاد العلماء لوضع الصورة الصحيحة أمام الحكام وبيان ما نص عليه في القرآن والسنة من عقوبات وحدود للجرائم المختلفة التي يرتكبها أحد الناس في المجتمع.