ظهر مصطلح هندسة المجتمع منذ أقل من أربع سنوات في إحدي ندوات جمعية المهندسين المصرية بهدف توليد منظومة محلية للتنمية انطلاقا من كون التنمية عملية متعددة المداخل والمخارج وتتشابك محدداتها وجزئياتها بشبكة تماثل شبكات الهندسة وبها من التكرار والتداخل ما يمكن هندسته لنصل لفهم موسوعي للتنمية بمختلف جزئياتها. ثم يبرز هنا مصطلح الشارع اللغوي ليضيف لبنة في هندسة المجتمع مثلها مثل بقية الجزئيات وليشمل علاقة اللغة بالتنمية بمختلف جزئياتها الصلبة والناعمة وليحدد مختلف روافد اللغة في المجتمع سواء أكانت اللغة القومية أم اللغات الأجنبية. وشارعنا اللغوي بهذا التعريف يشمل ما نراه وما نسمعه وما نخطه بأيدينا وما نتفوه به وما يترسب في ذهننا بعد أن نترك التعليم ويحدد لأبنائه ويحددون له في آن واحد هويتهم وثقافتهم! شارعنا اللغوي بهذا التعريف يحدد طريقنا في تفاعل دائم بيننا وبينه كي نطور مساره إن أردنا وكي نودي بنا لقاع البشرية إن تغافلنا عن بنيانه المادي والرخو. لقد غدا الإبحار في شارعنا يسيرا إن اتضحت شبكة تفاعلاته وتباينت خطوط تشابكاته, وعلي العكس حين تتوه أقدامنا في السير فيه فتتوه معها قيمنا بل وهويتنا. ذهبت منذ بضع سنوات لحضور مؤتمر عن الاختراعات في مدينة إبيدجان العاصمة الاقتصادية لساحل العاج إحدي دول غرب أفريقيا المطلة علي المحيط الأطلسي والمحتلة سابقا(!) من فرنسا, ومن وقتها لا يفارق مخيلتي تجوالي في شوارعها بإعلاناتها المضيئة بالحروف اللاتينية, ذلك المنظر الذي لا يكاد يختلف عن شوارعنا حاليا حتي في مسميات السلع الأجنبية وكأننا طمسنا سويا برداء غريب علي ثقافة نتشارك في جزء منها مع ساحل العاج أو كوت دي فوار كما يسميها مخططو علاقاتنا الخارجية. أتذكر هذا حين أتأمل طباعة رقم جواز السفر الذي نبذ رقمنا العربي الأصيل لصالح الرقم الغربي. وحين أتأمل أوراق العملة النقدية الجديدة فئة العشرة جنيهات والمائة جنيه التي تآكل في الجديد من أوراقهما الرقم العربي في أسفل واجهاتهما ليحل محله الرقم الغربي وليكتب رقم فئة العملة( مرتين في العملة الورقية فئة المائة جنيه أحدهما بحجم لا يكاد يري) ومرة واحدة في العملة الورقية فئة العشرة جنيهات بأرقامنا العربية الأصيلة في مقابل أربعه مرات بالرقم الغربي بحجم أكبر من الرقم العربي ولتمحي معها الفئة( جنيه). ولكن ما الحل في هذا التردي اللغوي الذي يودي بالمجتمع إلي الهاوية؟ هل هناك غطاء تشريعي يتعامل مع تلك المعطيات؟ والإجابة بنعم, فهناك أكثر من خمسة قوانين توجب الاستعمال الصحيح للغة العربية في مختلف مجالات الحياة وتحدد سلطة التنفيذ بدقة وتعاقب من يتخلي عن التنفيذ ولكن أين التنفيذ؟ ينص أحد تلك القوانين صراحة علي اتخاذ أية وسائل لتحقيق الغرض منه ويلزم دور التعليم والجهات المشرفة علي الخدمات الثقافية والوزارات والهيئات العامة ووحدات الإدارة المحلية وغيرها من الجهات الخاضعة لإشراف الجهات المشار إليها بتنفيذ ما يصدر تحت عباءة ذلك القانون لخدمة سلامة اللغة العربية والقيام بتذليل أية صعوبات ومتابعة التنفيذ وتقييم مستوي الأداء ويترتب علي مخالفة هذا الالتزام انعقاد المسئولية التأديبية للمخالف بل ويتطلب إعلان تقرير سنوي عن حالة اللغة العربية, وما تتعرض له من مخالفات. فماذا ننتظر من الغطاء التشريعي للعمل بعد هذا؟ هل الأمر يحتاج إلي فكر من خارج الصندوق, فكر مبدع لا يتواني صاحبه عن فعل كل الممكن للحفاظ علي لغة الأمة وعدم المساهمة في تقويض هويتها ليس بالعمل( بافتراض حسن النية) ولكن بالتقاعس عن الفعل الذي أوجبه القانون!. أستاذ هندسة الحاسبات بجامعة الأزهر [email protected]