لا يعاني الشاب الأربعيني من كونه مختلفا عن غيره من البشر, ولا يتاجر بحرمانه من نعمة ربما ينعم بها الحيوان أيضا, كما يفتخر بأنه لا يمد يده طالبا إحسانا أو شفقة لسببين: الأول أنه رجل عصامي يأكل من عرق جبينه, والسبب الثاني أنه لا يملك يدا يمدها إلي أحد لأنه باختصار شديد ليس لديه قدمان ولا يدان إنه بلا أطراف. لا يستسلم أحمد خالد ابن الخامسة والثلاثين لإعاقته, ولا يرضي أن يكون مثارا للشفقة ولا عطايا أهل الخير, فالشاب موهوب لكن موهبته زادت من معاناته, فهو رسام, وكيف يرسم الفنان وهو بلا يدين.. تلك كانت مأساته. علي الرصيف بدوران شبرا يجلس أحمد في فمه ريشته التي يراها رأس ماله يجذب إليه المارة لا ليعطوه حسنة وإنما ليلتفوا حول إبداعاته ومهارته في رسم اللوحات. مشكلة أحمد أنه يحتاج إلي دعم من الدولة, ليس دعما ماليا, فهو يري أنه رجل كسيب, لكنه فقط يريد ترخيصا بمزاولة فنه من علي الرصيف دون أن تتعرض له الشرطة. من رصيف شبرا إلي ميدان لبنان تنادي السيدة أمينة محمد(54 عاما) مناديل يا ابني.. مناديل يابنتي, تذهب إليها فور أن تراها وتتأسي لحالتها وهي تعاني من شلل في قدميها, تهم بأن تعطيها ما تيسر من المساعدة, فتفاجئك برفض وغضب شديدين أنا مش شحاتة لو عايز تساعدني اشتري مني, ثم تنفرج أساريرها بابتسامة عريضة بعد أن تتسلم منك ثمن باكو المناديل وعيناها الراضيتان تودعان الزبون وتنتظر غيره. ما الذي دفع أمينة إلي الرصيف؟ عندما تسأل هذا السؤال ستندهش من إجابتها: كنت طالبة بالجامعة وتعرضت لحادث أليم وتسبب إهمال الأطباء في إعاقتي لكني لم أستسلم وقررت العمل لا التسول. يتذكر طارق مدكور(78 عاما) يوم فقد ساقيه الاثنين وأصبح قعيدا, لكنه في الوقت الذي يبدي حزنه علي ما ضاع منه يفخر بأنه أصبح رجل أعمال صاحب شركة يعمل بها عدد كبير من الناس اللي فاتحين بيوتهم كما يقول. ليست الإعاقة رخصة للتسول واستجداء العطايا لكنها قد تكون جوازا لتحقيق الطموح الذي يعجز الأصحاء عن تحقيقه, قال أحمد ذلك وقد أخرج الفرشاة من فمه, ثم عاود وضعها مجددا واستكمل الرسم والحلم من جديد.