في مطلع كل شهر كانت أم كلثوم تقيم حفلها الشهري في حديقة الأزبكية أو في دار الأوبرا المصرية أو سينما قصر النيل وأماكن أخري مثل قاعة إيوارت بالجامعة الأمريكية في سنوات الحرب العالمية, وكانت تشدو بثلاث وصلات متتالية مضنية حتي مطلع الفجر, وكأنها صوت من السماء تسمعه كل الأمة العربيةكلها من أقصاها الي أقصاها عبر أكثر من نصف قرن من الزمان. كانت الطائرات لا تنقطع وهي تجلب المعجبين من جميع أرجاء العالم العربي حكاما ومحكومين لحضور حفلها الشهري في القاهرة. ربما لم تجتمع الأمة العربية في عصرها الحديث قدر إجتماعها علي حب أم كلثوم. غنت للملوك والرؤساء والبسطاء, وغنت لمصر أجمل الأغاني الوطنية التي ستظل تلهب المشاعر الي الأبد, وغنت للقومية العربية فوحدت الوجدان والمشاعر العربية. كان يعلن قبل كل حفلة عن أغنيتها الجديدة, وكانت الصحافة والإذاعة تذكر ذلك بالتحليل والتهليل والتوقعات.كنا جميعا نحفظ تلك الأغاني عن ظهر قلب وكأنها نصوص مقررة محببة الي قلوبنا. كانت ليلتها كأنها عرسا وعيدا للجميع, لا يضيعه إلا مضطر. عندما قرأت مذكرات الكاتب الكبير إدوارد سعيد, صاحب كتاب الاستشراق الذائع الصيت, واصفا في كتابه- خارج الزمان- عن حضوره إحدي حفلات أم كلثوم في صغره في دار الأوبرا المصرية في نهاية الأربعينات من القرن العشرين, واصفا ذلك الحفل ب: النسق الغنائي الرتيب الي حد مروع في إتساق كآبته اللامتناهية وندبه البائس... وأن صوتها أشبه بالتأوه والنحيب المتواصلين لامرئ يعاني نوبة حادة من الألم المعوي.. وأن موسيقاها جعجعة ألحان أحادية الصوت, موجعة ومملة في آن!!! عندما قرأت ذلك أحسست بأن نيتروجينا سائلا قد صب علي جسدي وروحي, ورغم أن الكاتب كان إدوارد سعيد بكل قدره, إلا أنني انتفضت انتفاضة من سمع إهانة أمه وأبيه ووطنه وكل شرفه, وصرخت, وكأني أحاول الرد علي إدوارد سعيد وكأني أسمع منه مقتا وفحشا وساء سبيلا وظلما لا يمكن السكوت عليه, ورددت بغضب بيني وبين نفسي: ومن أنت, رغم علمك الغزير وشهرتك المدوية, حتي تصف موهبة كوكب الشرق أم كلثوم, وفنها بتلك الكلمات الجائرة الجارحة وتدلي بذلك النقد المتغطرس, ولو أن موهبتك قدرت بمليون دولار, فإن موهبة أم كلثوم تقدر بمائة بليون دولار بالمقارنة معك. سينساك الناس يوما, أما أم كلثوم فلن تنسي أبدا. رغم حبي الشديد لإدوارد سعيد قبلها إلا أن ذلك الحب إنسلخ بالكامل عن روحي, ولم أتصالح معه إلا عقب وفاته. كان متغطرسا في رأيه لدرجة مخذلة, وهو الذي كنت أظنه ملما بثقافتنا, لأنه عاش في مصر سنوات, وكان محبا لها, ودائم الزيارة لها. ردة فعلي تلك ليست إلا انعكاسا لوجهة نظر الملايين الذين أحبوها وسيحبنوها الي نهاية الدنيا. حقا, لم يكن إدوارد سعيد إلا متغطرسا أكاديميا, وكان في رأيه وكأنه مستشرق من الذين أساءوا فهم الثقافة العربية والإسلامية والذين كانوا دائما موضع نقده الشديد. هذه مفارقة كبيرة وسقطة لن يغفرها له التاريخ أبدا, لأنه وهو العارف بالموسيقي كما هو معروف عنه, يسفه من قدر الموسيقي الشرقية, أم كلثوم بهذه الدرجة. عكس إدوارد سعيد, ربما يكون الشاعر أحمد رامي رحمه الله, والذي كتب لها أكثر من135 أغنية, وكرس حياته كلها لأجل فنها, هو أقرب الناس الي وصف أم كلثوم في قصيدة له عنها: كتب عنها العقاد أيضا, واصفا: أم كلثوم... يابشيرا من الله بالرجاء أنت من وحيه ولله في الفن أنبياء ربما تكون كلمات الفنان محمد عبد الوهاب أجمل ما قيل في وصف أم كلثوم, تحت عنوان: أم كلثوم- موسوعة وأكاديمية وجامعة: كانت السيدة أم كلثوم موسوعة, وأكاديمية كبيرة, يمكن لأي مطربة أن تدخلها وتختار فرعا من الفروع التي تود أن تتقنها, وتري كيف كانت أم كلثوم تؤديها.وكانت أشبه بجامعة فيها الهندسة والحقوق والتجارة والعلوم والآداب. وكل هذه الأشياء المتفرعة.. والطيبة. والذي يود أن يعرف كيف تكون قوة الصوت, عليه أن يسمعها ويحاول أن يقوي صوته.. وياحبذا لو أدخلت في المعاهد أو الأكاديميات التي تعلم الموسيقي, وخاصة الموسيقي العربية, حصة من الحصص يعرفون فيها علي الشاشة أم كلثوم, وكيف تغني حتي يري الدارس كيف تتعامل أم كلثوم مع الميكروفون, وكيف تغني وتتعامل مع الناس. تقول نعمات أحمد فؤاد قي أول صفحة من كتابها: أم كلثوم, دار الطباعة الحديثة,1952: كنت في طفولتي إذا سمعت صوت أم كلثوم أكف من تلقاء نفسي عن عبث الأطفال, وأجثو الي جانب المذياع في صمت عميق, أصغي إليها بحواسي كلها حتي تفرغ من الغناء, وكنت في ذلك أحس في صوتها أشياء كثيرة, ولكني كنت لا أعرف التعبير عنها حتي بالكلام السائر, وشببت مع الأيام فصرت ألهج بإسمها خاصة عقب سماع أغنية لها أو حفلة مذاعة, وكنت في المدرسة لا أكف عن الحديث عنها مع زميلاتي, حتي عرفت بينهن بالولع بها, فمن أرادت إطرائي منهن قصت لي نادرة عن أم كلثوم أو أطلعتني علي خبر قرأته عن أم كلثوم, ومن أرادت مداعبتي نسجت في أول الشهر قصة عن تأجيل حفل أم كلثوم تقول نعمات أحمد فؤاد عن صوت أم كلثوم: ز........ س 313120.: ز..... س 1920. ت ت ت. ت. ت ت ت ت: ب تت ب ت. .. . ت... ت ب.: ب ب:. : ب ب: تا ب ا بت....... ا ب. .. ت. ت... .19471936 .135. . : 1-:1952 2--:1994 3-:2001 4--: 5-:.2001 6-ThevoiceofEgyptUmmKulthumArabicsongAndEgyptiansocietyinThetwentiethCentury:VirginiaDanielsonTheAmericanUniversityinEgypt..1997 7-:2006 : 1967...